منذ خطواتهِ الأولى في المجال الغنائي الغيواني، رَسَّخَ جمال بودويل أقدامَهُ فنيًّا في اللون الملتزم، وكوَّن لنفسه اسمًا وصيتا وحققَ شهرة واسعة ً محلِّيًّا وخارجَ الوطن …
ومن يتابعُ مسيرة َ الفنان جمال بودويل ومشوارَهُ مع الغناء والتلحين، يلاحظُ بوضوح أنهُ مهِّدُ منذ أول ظهور له على خشبة المسرح لتشكيل أغنية مستقلَّة تتماثلُ مع طابعِهِ الخاص ، ولكنها في الوقت نفسه ، نابعة ٌ من الأجواءِ العربيَّةِ ومحلِّقة في آفاقها الرَّحبة. لذلك رأيناه منذ بداياتهِ مع الغناءِ والتلحين،يذهبُ إلى أغاني عن نضال الشعب الفلسطيني التي عملَ على إعدادِها بصيغ موسيقيَّةٍ جديدةٍ، تسايرُ وتواكبُ روحَ العصر وتتماشى وتتناغمُ مع طابعها الأصلي ، ممَّا أهلَّهُ بعد ذلك أن يستلهمَ ويغترفَ من هذا التراث الغنائي الكثير من الألحان التي قدَّمها خلال السنواتِ الماضية والتي تخدمُ مشروعَهُ الفني .
وإذا نظرنا اليوم إلى الغناء الملتزم، نجد أنَّ رُوَّادَ وعمالقة َ الفن الوطني الملتزم بالمغرب لا يتجاوزُ عددُهُم أصابعَ اليد ويقفُ في طليعتِهم ناس الغيوان وسعيد المغربي وصلاح الطويل ، وأمَّا محليًّا –بمدينة الجديدة- فنجد الفنان جمال بودويل لوحده يتربَّعُ على عرش الأغنية الوطنيَّة الهادفة والفنِّ الملتزم …. ورغم كل العراقيل التي واجهته استطاع َ أن يُحقِّقَ نجاحا وشهرة واسعة ً جدًّا.
وبدون شكّ، فالحركة الفنيَّة الملتزمة في العالم العربي كان لها دورٌ كبير على مسيرته الفنيَّة الملتزمة. فالفنانون الشيخ إمام عيسى وزياد الرَّحباني ومارسيل خليفة وغيرهم قد أثَّروا عليه . و بما أن الأغنية ُ الملتزمة لا تجد من يدعمها ماديًّا ومعنويًّا من قبل مؤسسات وأطر فنيَّة وغيرها و للأسف، كان لزاما على الفنان جمال بودويل أن يشقَّ طريقه بنفسه بين الأشواك و… وهكذا شقُّ طريقه ودربه الفني دون أن يكل.
و قد يتساءل البعض : « لماذا يغنِّي جمال بودويل الأغاني الوطنيَّة الملتزمة فقط؟ لماذا لا يغنِّي الأغاني الطربيَّة الأخرى كغيره من الفنانين … فربَّما يحظى بنجاح ٍ وتألُّق أكبر ويستفيد أكثر من ناحيةٍ مادِّيَّةٍ ؟؟».
و الجواب بسيط : جمال بودويل ينظر إلى النص. وإذا كان بالنسبة له على مستوى عال ويعجبه فيعتبرهُ من النص الوطني والهادف. ولقد لحَّن وغنَّى الكثيرَ من الأغاني العاطفيَّة والوجدانيَّة و الاجتماعية لعدة كتاب و شعراء من بينهما المبدعين محمد ڭابي و سعيد التاشفيني. لحَّن وغنَّى الكثيرَ من الأغاني العاطفيَّة والوجدانيَّة و الاجتماعية، ولكن فقط التي يوجدُ فيها الطابعُ والحسُّ الوطني والإنساني الشَّامل.فأهمُّ شيء عند الفنان الجديدي جمال بودويل أن تكونَ الأغنية ُ تحملُ رسالة ًسامية وتخدمُ قضيَّة معيَّنة عادلة وسامية. و ألا تكون الأغنية مستهلكة ومهجَّنة وكلماتها ومعانيها سخيفة وركيكة، كالكثير من الأغاني الحديثة التي نسمعها دائما في عصرنا هذا … فالفن هو رسالة ٌ مقدََّسة قبل كلِّ شيء للذي يعرف ويدرك ماهيَّة الفنّ الحقيقي .
الفنان الجديدي جمال بودويل يعتبرُه الكثيرون أوَّلَ موسيقيٍّ وأوَّل مطربٍ وفنان محلِّي بمدينة الجديدة من ناحيةِ جمال الصَّوتِ وعذوبتهِ وروعتهِ وخاماتهِ وطبقاته العالية، وبتفوَّقه وتميُّزه في العزف على آلةِ العودِ، وبإنجازاته الفنيَّة الغنائية و المسرحية وألحانه الكثيرة الراقية والرَّائعة، ولكنَّه لم يصل إلى الشهرة الكبيرة والكافية والملائمة لمؤَهِّلاتِه ولمستواه الفنِّي التي هو أهل لها، وحتى محليًّا لم يأخذ حقَّه بعد من التكريم والاهتمام و كما يجب إعلاميًّا ، و رغم ذلك فهو لا يقلقه الانتشار والشُّهرة بقدر ما يقلقه أن يقدِّمَ ما يُحقِّقُ ذاته وما يُلبِّي طموحاته ورغباته من الألحان التي يحاكي فيها نفسه أوَّلا والجمهور ثانيًا . ففي نظر الفنان الجديدي جمال بودويل – عندليب دكالة- « الفنان لا يجدُ نفسَهُ إلاَّ إذا أبدَعَ إبداعا خاصًّا به ولا يكونُ مقلِّدًا ومُجترًّا لغيره» .