لا يزال عدد من المعالم الأثرية الموجودة في مزاغان ( الجديدة ) ، يعاني من الإهمال والتهميش وسط صمت الهياكل المعنية. ولعل عمارة كوهين الموجودة بساحة الحنصالي مقابل بناية مصلحة الضرائب ، شاهد على ذلك، بسبب الاعتداءات التي يشهدها هذا المعلم التاريخي منذ التسعينيات.
و لا يخفى أن التعامل مع الموروث بصورة عامة والموروث المعماري بصورة خاصة يحتاج الى عناية ومهارة واهتمام خاص. لأن الموروث المعماري يختلف عن متطلبات حفظ الأنواع الأخرى من الموروث، كالكتب القديمة أو اللوحات النادرة أو المقطوعات الموسيقية المتوارثة وغير ذلك. أما العمارة فهي فن يستخدم مواد بنائية متنوعة تتعرض للتهرؤ والتعرية بفعل الزمن أو الاستخدام السيئ أو التسربات المائية أو بسبب المضاربات العقارية و الجشع التجاري. و تجربة العقود الماضية أثبتت أن هذا كله أضر الموروث المعماري بشكل كبير. فمن النادر أن يرى من عاش في الجديدة و مازال اهتماما حقيقيا بالموروث المعماري، مثل مظاهر الصيانة العالية التي يقوم بها خبراء في المجال. لهذا بالطبع أسباب كثيرة منها التعمد في حالات كثيرة إلى تشويه إو إزالة الموروث المعماري والفني الهام لمحو و طمس الذاكرة الجماعية. فهدم درج فندق مرحبا المؤدي إلى الشاطئ ، أو تسييج أكشاك الشاطئ بحائط أسمنتي، وصولا الى إزالة بعض المباني والبنايات التراثية ذات القيمة الاجتماعية والثقافية مثل سينما “ديفور” من وتحويله الى محال تجارية، كلها شواهد على سياسة متعمدة للتشويه و أفعال تخلف حضاري واضحة.
اليوم، من يسير في بعض الأماكن العامة التي يرى فيها بعض المباني التراثية، يرى الحال البائسة التي آلت إليها. فمقر المقاطعة الحضرية الثانية بشارع محمد السادس، أو مقر نادي الضباط المعروف بالجمعية الثقافية بشارع نابل، أو السوق المركزي الاوروبي أو ساحة محمد الخامس المقابلة لمسرح محمد سعيد عفيفي ، والتي تمت تهيئتها دون دراسة دقيقية بصورة كافية، كما في حالة الحي البرتغالي، أو بعض الآثار الباقية التي لا حلول واضحة لها، مثل فندق مرحبا، كلها شواخص على الإهمال الكبير أو التعامل المتعجل مع عناصر معمارية تحتاج إلى تعامل خاص ودقيق.
هذه الأمثلة هي قليل فقط من أخرى مستقاة من المشاهدات اليومية، فكم هو حجم وعدد المباني التراثية الجديدية المهددة بالتلف أو الزوال يا ترى؟
ولا يخفي أهل الجديدة قلقهم على التراث المعماري في مزاغان/ الجديدة، لا سيما أن السلطات لا تأبه كثيرا للمباني التاريخية و لا تعيرها أي اهتمام.
و يجمع الملاحظون على أن عمارة كوهين تعتبر من أثرى الفضاءات الهندسية الملتصقة بالهوية المزغانية الجديدية، رغم الطابع الهندسي الفرنسي. وقد أصبحت حالة هذه البناية جد مزرية، و ذلك بطريقة ممنهجة جهنمية قصد هدمها رغم أنف الجميع. ومؤخرا، تم شراؤها من طرف شخصين نافذين، و هما يحاولان الآن إقناع أصحاب المحلات التجارية المتواجدين بأسفلها بإفراغ محلاتهم قصد هدم العمارة بالكامل، واستغلال مساحاتها الترابية لرفع مركب تجاري ( قيسارية) على أنقاضها في قلب مدينة الجديدة.
لقد تم التخطيط منذ زمان لهذه الوضعية السلبية التي تتواجد بها هذه العمارة وكأنها هيكل بلا روح. فقد عانت من انعدام الصيانة، إلى درجة أن تشققت الجدران وتصدعت بعض أركانها… و هذا كله أمام صمت مطبق من طرف السلطات و المجلس البلدي و مندوبية وزارة الثقافة، بالرغم من أن وزيري الثقافة السيدين محمد بن عيسى و محمد الأشعري كانا طلبا من المسؤولين و خصوصا المجلس البلدي بحيازة هذه العمارة التاريخية و تحوليها إلى متحف.
إن أهل مزاغان/ الجديدة يعبرون عن تشاؤمهم الكبير إزاء ما يحدث للتراث والمعالم التاريخية التي ما تزال صامدة وهي تصارع من أجل البقاء، لكن للأسف، إن المسؤولين المحليين لا يكترثون ولا يهتمون بالتراث إطلاقا، كون أن بعض الآثار والمعالم التاريخية التي هي عنصر من عناصر الذاكرة التاريخية لمدينة الجديدة تعاني الانهيار والاندثار و الهدم الممنهج في أية لحظة مثل عمارة كوهين التي من المفروض تحويلها إلى متحف وطني للبريد. لكن مؤخرا، هناك من يريد هدمها كلية واستبدالها ببناية جديدة. و الغريب هو أن الجمعيات التي تدعي حماية التراث و المحافظة عليه لم تحرك ساكنا و ” ضاربة الطم “، و ذلك لغرض في نفس يعقوب !!! لماذا لم يتحرك أولائك الذين يدعون أنهم يمثلون اللمجتمع المدني؟ فلا شيء تجسد على أرض الواقع!!!
و لا يسعنا إلا أن نطالب من السيد عامل إقليم الجديدة بإعطاء تعليمات صارمة للمجلس البلدي ولمديرية وزارة الثقافة باتخاذ إجراءات ملموسة للمحافظة وصيانة هذا الإرث الثقافي والتراثي و إنقاذه من الهدم الممنهج.
نبذة تاريخية مختصرة عن عمارة كوهين و أول بريد محلي بالمغرب
استقر جوزيف برودو مع عائلته بمدينة مازاغان ( الجديدة ) سنة 1857.كان في البداية يمثل شركة دار ألتاراس من مرسيليا الفرنسية. و بعد ذلك، أنشأ شركته الخاصة و عين سنة 1866 وكيلا قنصليا لفرنسا. و سنة 1891 ، أنشأ أول بريد محلي بالمغرب داخل القلعة البرتغالية بمزاغان (الجديدة) ، كان يربط في البداية بين مزاغان (الجديدة) و مراكش. و كان يعتمد على الرقاصة المغاربة الذين كانوا يحملون المراسلات، و هم أشخاص يقطعون مسافات على الاقدام مقابل أجر يتفاوت حسب المسافة والاستعجال . لكنه فضل تسليم تسيير هذا البريد لابنه إسحاق سنة 1892، فطور إسحاق برودو خدمة البريد و التلغراف.
ابتداء من أواخر سنة 1914 ، نقل إسحاق برودو مقر البريد و التلغراف إلى الطابق السفلي لعمارة مايير كوهين التي تم بناؤها في 29 تشري 5675 حسب التأريخ العبري ( 19 أكتوبر 1914)، و الذي ظل مستقرا في هذه البناية إلى غاية سنة 1924، حين انتقل إلى البناية المتواجدة إلى حد الآن بساحة ليوطي (محمد الخامس حاليا ) قرب مسرح محمد سعيد عفيفي.
و للإشارة، مايير كوهين كان من التجار الكبار لمدينة مازاغان ( الجديدة ) في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، إضافة إلى أنه كان ممثلا بمزاغان (الجديدة) لعدة شركات أوروبية، و عين قنصلا للولايات الامريكية المتحدة إلى غاية 1890.