سمعة الإدارة بمدينة الجديدة ليست جيدة تماما و يشوبها كثير من الشوائب..حيث أن النظام و القوانين المطبقة بها مخالفة لما قد يجده المرء في مدن أخرى٬ إلى حد أن البعض شبهها مجازا ب” إمارة موناكو” لكونها اشتهرت إجراءاتها بالتعقيد والبيروقراطية والبطء وبأشياء أخرى أخطر هي بمثابة الأمراض المزمنة التي تنهك جسدها العليل.. وللأسف فإن أحوال إدارة الجديدة ازدادت سوءا على سوء في السنوات الخمس الأخيرة. وقد أصبح العديد من الناس بالجديدة يصابون بالضيق والقلق بمجرد التفكير في قضاء شأن لهم في بعض الإدارات بسبب المفاجآت التي أصبحت لا تكاد تغيب عن أي تعامل مع الإدارة بمدينة الجديدة.
فمعاناة المواطن الجديدي في الإدارة تزداد يوما عن يوم، حيث بلغت مظاهر التسيب والتهاون والاستخفاف بمصالح الناس ذروتها وتحول تعامل المواطن مع بعض مصالحها إلى ما يشبه الجحيم . وليس في الأمر مبالغة.. وقد قادتنا الظروف في الأيام الأخيرة إلى التعامل مع ثلاث إدارات مختلفة، ووقفنا على مظاهر مزرية وحالة من الاكتظاظ والفوضى والتسيب والاستهانة بمصالح الناس. ولفت نظرنا بالخصوص غياب العديد من الموظفين في بعض الإدارات الحيوية عن العمل بشكل مفاجئ وعملها بالحد الأدنى من موظفيها٬ رغم كثرة الإقبال عليها ، والحال أنه كان عليها أن تعزز طواقمها. كما تعاني الإدارة بالجديدة من عدم وجود آليات ناجعة لمراقبة أداء الموظفين وضمان عدم تهاونهم لسبب أو لآخر ومن العجز عن محاسبتهم في حالة ثبوت تقصيرهم. وأكثر من ذلك فإن بعض الموظفين لا يعيرون أي اهتمام لتلويح المواطنين بالتظلم إلى رؤسائهم، ورفع شكاوى بهم، وكأن الدولة التي تصرف لهؤلاء الموظفين رواتبهم من الضرائب التي يدفعها المواطنون لم يعد لها أية سلطة عليهم وهم الذين أصبحوا لا يخشون أي تتبع إداري أو أي ردع رغم ثبوت خطإهم أو تهاونهم في أداء واجبهم المهني. إنه شكل آخر من أشكال غياب هيبة الدولة الذي غالبا ما اشتكى منه كبار المسؤولين في الحكومة. وحتى إن أقدمت بعض المصالح الإدارية على معاقبة أحد أعوانها بعد ثبوت وجود خطإ أو تقصير، فإن البعض يرفعون شعار « أنصر أخاك ظالما أو مظلوما» وقد يصل الأمر إلى الوقفات الاحتجاجية وحتى الإضرابات العشوائية وتوقف العمل بشكل تام لأيام …
وفي بعض الإدارات٬ فإن الموظفين يوهمون المواطنين بأنهم يسهرون على تنظيم سيرهذه المصلحة لخدمتهم على أحسن وجه بتوزيع الأرقام عليهم التي لاتتعدى في الغالب 20 رقما، غير أن هذه الأرقام تبقى في الإنتظار فيما يتم قضاء مصالح أصحاب الهواتف النقالة الذين لايتوافدون على مقر المصلحة إلا من أجل تسلم أغراضهم التي قضوها عبر الهاتف بمقابل يتجاوز في الغالب 50 درهما؟ أما أصحاب الأرقام القابعون داخل المصلحة فالزمن طويل أمامهم ويمكنهم العودة فيما بعد لقضاء أغراضهم حتى وإن كانوا قطعوا عشرات الكيلوميترات من أجل إنجاز وثيقة لا تستلزم أكثر من 5 دقائق. وما يحز في النفس أن الموظفين يستغلون طيبوبة السكان ونقص وعيهم من أجل إقناعهم بدون أي تردد حتى يعاودوا الكرة مرة أخرى ويعودوا إلى المصلحة قصد التمكن من قضاء مآربهم بدعوة أن الوقت لايسمح لهم بإنجاز كل أشغالهم. والغريب في الأمر أنه حتى وإن أراد المواطن الإستفسار عن هذه السلوكات الغير المسؤولة التي ينهجها الموظفون في عملهم والتي لايسمح بها لا القانون ولا الأخلاق ، لايجد أي مسؤول لا داخل المصلحة ولاخارجها، بل وفي حالة إبداءه لعدم رضاه عن هذه الطريقة في تصريف أمور المواطنين يقوم كل الموظفين للإحتجاج عن هذا الموقف وعن الظروف الصعبة التي يشتغلون فيها ويهددون بعدم الإستمرار في العمل٬ بل ويبررون تلقيهم الرشاوي أمام الملأ من أجل إنجاز أغراض المواطنين باعتبار أن رواتبهم لا تكفيهم لتصريف أمور حياتهم.
وهنا يقف كل من سولت له نفسه المبادرة للإستفسار مشدوها أمام جرأة هؤلاء الموظفين في ضرب مبادئ تسيير المرافق العامة عرض الحائط وفي خرق القانون (بالعلالي) واستفزاز المواطنين البسطاء الذين يجرهم قدرهم للتعامل مع هذه المصلحة وهم مرغمين على ذلك. ويتساءل أين هي مسالة تحديث الإدارة وتقريبها من المواطن التي يتحدث عنها المسؤولون بالجديدة بمناسبة وبدونها.
وفي بعض الادارات٬فإن مسألة تصوير نسخ النماذج والمطبوعات الإدارية أصبحت من اختصاص المواطن. فأصبح من المقبول ومن المسَلم به أن يطلب منك عون سلطة أو موظف من مختلف الرتب أن تخرج عند أقرب كشك أو مكتبة ليقوم بنسخ النموذج المطلوب وبيعه لك بمقابل مالي، بينما تتوفر الإدارة على المطبوعات اللازمة، وعلى آلات الطبع، كما أن المواطن يؤدي رسوم الوثائق المطلوبة إلا ما نذر منها. علما أن منح المواطن نسخة من النموذج ليقوم بنسخها خارج الإدارة والتوسل إليه بنسخ المزيد لكون الإدارة لا تتوفر إلا على تلك النسخة الوحيدة أمر غير مقبول لا قانونيا ولا إداريا، بل يمس سمعة الإدارة ويدخل المواطن والموظف أحيانا عديدة في خلاف في هذا الشأن.
ويقوم بعض الموظفين باستغلال الأمر، حيث يخفون النسخ عن البعض ويوفرونها للبعض، وأحيانا يقوم الموظف من مكتبه ويأمر أحد الأعوان بالخروج بسرعة لنسخ المطبوع لأن الأمر يتعلق بمواطن محظوظ وشخص غير عادي، أما إذا تعلق الأمر بمواطني الدرجة العاشرة ، فيكتفي الموظف بعبارة “سِر دِير فوطوكوبي واجي”.
هذا في الوقت الذي أقدمت بعض المدن المغربية على تبسيط المساطر و الإجراءات الإدارية وعلى تحديث الإدارات العمومية وتحسين خدماتها المقدمة للمواطنين وتقريبها منهم والتعامل بسواسية مع كل هؤلاء المواطنين وإنشاء الشباك الوحيد ومحاربة الرشوة وغيرها من السلوكيات المشينة، نجد بمدينة الجديدة بصفة خاصة أغلبية الإدارات العمومية لاتريد إلا التشبث بعاداتها القديمة في تعاملها مع المواطنين المقبلين عليها لقضاء أغراضهم. فإذا كانت المعاملات السيئة التي يتلقاها المواطنون في مدينة الجديدة داخل ردهات بعض الإدارات والمصالح العمومية واضحة للعادي والبادي في واضحة النهار، فإن ما خفي في بعض الإدارات الترابية بالقرى وفي أقصى الإقليم أعظم من ذلك حيث لارقيب إلا من في السماء.
إن جميع أشكال التعامل الإداري غير المسؤول التي أثرنا قضيتها اليوم تدخل كلها في باب البيروقراطية وإبعاد الإدارة من المواطن، ويستدعي تدخلا حازما من الإدارات المركزية لتحسين ولوج المواطن للإدارة وتخفيف الأعباء والإجراءات الإدارية عليه، وما على السلطات الاقليمية والمحلية بمدينة الجديدة سوى أن تتحرك في اتجاه العمل على تخليق الإدارة وتحسين خدماتها.
إن أكثر ما أصبح يطمح إليه المواطن بمدينة الجديدة اليوم في تعامله مع الإدارة، هو أن يذهب لقضاء شؤونه دون أن يهان ودون أن تداس كرامته، وأن يجد من يدافع عنه حين يقع الاعتداء على حقوقه. أما شعار تحقيق إصلاح إداري جذري وشامل الذي طالما ردده على مسامعنا بعض المسؤولين بالجديدة وما يزالون يرفعونه فيبدو أنه أصبح شكلا من أشكال الرفاهية والكماليات وحلما بعيد المنال.
لا يعني كل هذا أن المواطن بمدينة الجديدة « ملائكة» وضحية على الدوام وأن سلوكه حين يذهب لقضاء شأن ما في الإدارة مثالي٬ فهو في بعض الحالات سبب في بعض مظاهر الفوضى التي تعرفها الإدارة بالجديدة وجزء من تفشي بعض السلوكيات السيئة فيها… وتلك حكاية أخرى