خطاب الذكرى 41 للمسيرة الخضراء من دكار عاصمة السنيغال الشقيقة.. حدث مليء بالدلالات

كتابة׃ الحاج عبد المجيد نجدي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

من لا يتذكر حِكَم جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني و هو رجل التاريخ ورجل الحضارة، فقد كان يحث دائما على دراسة تاريخ الوطن وبطولاته و أمجاده وحضارته. وقد أكد وشدد أكثر من مرة على أهمية ان يرتبط المواطن بوطنه وتاريخه ويتعرف على حضارات بلاده.و أن من يعبث بتاريخ وطنه أو يسمح بنهبه  أو لا يغار عليه فهو لا يستحق أن تطأ ثراه. وأن المواطن الذي لا يعرف تاريخ بلده ومجده فإنه يجهل قيمة وتاريخ وأصالة وشهامة إنسان هذه الأرض المغربية المباركة. وفعلا، إن تاريخ و حضارة المغرب لا يمكن مقارنتها أو الاستهانة بها، لما قدمه هذا البلد من رجال ضحوا بالغالي و النفيس من أجله ليضل منذ نشأته وهو حر يتمتع و يزخر بتاريخ ملئ بالبطولات والانتصارات و التضحيات.

و على هذا الأساس، تفتقت عبقرية الحسن الثاني بوقوع الاختيار على تنظيم المسيرة الخضراء ، والتي تعكس الإشعاعات الدينية والصوفية والجهادية في أعماق الإنسان المغربي الذي تطوع بروح دينية ووطنية فدائية مثالية. و أكيد أن المسيرة الخضراء تستقي جوهرها وحماسها من تاريخ عريق صنع هوية المغرب العميقة ومن تاريخ المغرب المعاصر و جذوره المتأصلة بالقارة الإفريقية.  وتماشيا مع نفس الفلسفة الحسنية، قرر الملك محمد السادس إلقاء خطاب الذكرى 41 للمسيرة الخضراء من دكار عاصمة السنغال الشقيقة، في حدث مليء بالدلالات، يحدث لأول مرة في تاريخ الخطابات الملكية.

المغرب شجرة جذورها في إفريقيا وأوراقها في أوروبا

سيوجه الملك محمد السادس يوم الأحد 6 نونبر 2016 خطاب الذكرى 41 للمسيرة الخضراء من العاصمة السنغالية دكار، في ختام الجزء الأول من الجولة التي يقوم بها في عدد من الدول الإفريقية الشقيقة.

وهذا الخطاب سيكون تاريخيا، حيث أن المسيرة الخضراء مكنت المغرب من استكمال وحدته الترابية باسترجاع الأقاليم الصحراوية، التي تعد بوابة المغرب نحو جذوره الإفريقية، وامتدادا طبيعيا له، واعتبارا لعمق الروابط الأخوية والروحية والإنسانية، التي تجمع المغرب والسنغال، وللمكانة الخاصة التي تحظى بها إفريقيا عند الملك محمد السادس، ولدى المغاربة قاطبة، والاهتمام السامي الذي يوليه لها.

وهكذا يسير الملك محمد السادس على نهج والده المغفور له الحسن الثاني الذي كان « يقول إن المغرب شجرة جذورها في إفريقيا وأوراقها في أوروبا»، ولذلك الملك محمد السادس أسس علاقات قوية مع عدد من الدول الإفريقية مثل السنغال والغابون وساحل العاج ومالي ورواندا و تنزانيا. فالمملكة المغربية ترغب في الاستفادة من أسبقيتها لتعزيز سياستها الإفريقية في اتجاه شراكة متوازنة مع دول الجنوب تهدف إلى تطوير إفريقيا بدلا من استغلالها، لأنها لا تدخل كمستعمرة ولا تتحدث عن مساعدة مالية وإنما عن شراكة اقتصادية وتكامل وأخوة.

41 سنة على المسيرة الخضراء: استحضار الذكرى ومواجهة التحديات

ويحتقل الشعب المغربي، يوم الأحد 6 نونبر 2016، بفخر واعتزاز، بالذكرى الواحدة و الأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة . وتعتبر هذه الذكرى، التي بصمت تاريخ المغرب الحديث، مناسبة لاستحضار حقبة من تاريخ المغرب الحديث ذات دلالات عميقة، تؤرخ لصفحات مشرقة من نضال الشعب المغربي من أجل الوحدة الوطنية.

ففي يوم 16 أكتوبر 1975، أعلن المغفور له الملك الحسن الثاني عن تنظيم المسيرة الخضراء، التي مكنت الشعب المغربي من استرجاع أقاليمه الجنوبية، بعد تأكيد محكمة العدل الدولية بلاهاي، في رأيها الاستشاري، أن الصحراء لم تكن يوما "أرضا خلاء"، وأنه كانت هناك روابط قانونية وأواصر بيعة بين سلاطين المغرب وبين الصحراء. وبعد صدور حكم محكمة العدل الدولية بلاهاي، الذي يكرس شرعية مطالب المغرب لاسترجاع أراضيه المغتصبة، قرر المغفور له الملك الحسن الثاني، في اليوم نفسه، تنظيم مسيرة خضراء بمشاركة 350 ألف مغربي ومغربية.

هكذا، أعلن جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، في خطاب موجه للأمة، عن تنظيم هذه المسيرة، حيث قال "بقي لنا أن نتوجه إلى أرضنا، الصحراء فتحت لنا أبوابها قانونيا، اعترف العالم بأسره بأن الصحراء كانت لنا منذ قديم الزمن. واعترف العالم لنا أيضا بأنه كانت بيننا وبين الصحراء روابط، وتلك الروابط لم تقطع تلقائيا وإنما قطعها الاستعمار (...) لم يبق شعبي العزيز إلا شيء واحد، إننا علينا أن نقوم بمسيرة خضراء من شمال المغرب إلى جنوبه، ومن شرق المغرب إلى غربه".

وجسدت المسيرة الخضراء، التي انطلقت في السادس من نونبر عام 1975، مدى عمق تشبث المغاربة، بكل فئاتهم وشرائحهم، بمغربية الصحراء وبالعرش العلوي المجيد، حيث سار، تلبية لنداء جلالة المغفور له الحسن الثاني، 350 ألف مغربي ومغربية، بنظام وانتظام في اتجاه واحد صوب الأقاليم الصحراوية لتحريرها من براثن الاحتلال الإسباني.

وكانت هذه المسيرة مناسبة أظهر المشاركون فيها، مسلحين بقوة الإيمان وبأسلوب حضاري سلمي فريد من نوعه، للعالم أجمع قوة وصلابة موقف الشعب المغربي المتشبث بحقه في استرجاع أقاليمه الجنوبية . كما أظهرت هذه المسيرة مدى التلاحم، الذي جسدته عبقرية ملك مجاهد وشهامة شعب أبي من استكمال الوحدة الترابية للبلاد، لتظل بذلك منارة تضيء درب المغرب في اتجاه صيانة وحدته الترابية.

وتتواصل ملحمة "من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"

لقد كان لهذه المسيرة الوقع الجيد على الأقاليم الجنوبية بعد استرجاعها، حيث أصبحت هذه الأقاليم مسرحا لأوراش التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية، التي لم تعرفها تلك المناطق خلال الفترة الاستعمارية. ودخلت الأقاليم الجنوبية منذ تنظيم المسيرة الخضراء، عهدا من الإنجازات المهمة والنوعية، ومن الدينامية في شتى المجالات المختلفة، التي تعنى بالاهتمامات اليومية والتطلعات المستقبلية لسكان هذه الأقاليم، وترسخت بفضل الزيارات المتكررة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، والمشاريع التي دشنها وأعطى انطلاقتها.

ومن أبرز الأوراش التنموية في هذه المنطقة، أوراش الإسكان والتعمير التي ساهمت في تحقيق تنمية عمرانية متوازية ومستدامة، كما يتضح ذلك من خلال برامج الوحدة والعودة والوفاق "20 ألف سكن"، والعديد من التجزئات السكنية، وبرامج محاربة السكن غير اللائق، وإعادة هيكلة مجموعة من الأحياء ناقصة التجهيز، وإعادة تأهيل المجالات الحضرية الكبرى، مع إعادة الهيكلة وتقوية البنى التحتية.

وتواصلت ملحمة صيانة الوحدة الترابية، من خلال تأكيد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في خطاب الذكرى العاشرة لتربع جلالته على عرش أسلافه المنعمين، أنه "وفي سياق تصميمنا على الارتقاء بالحكامة الترابية، قررنا فتح ورش إصلاحي أساسي، بإقامة جهوية متقدمة، نريدها نقلة نوعية في مسار الديمقراطية المحلية". وهذا الخطاب التاريخي الهام مستمد من روح المسيرة الخضراء المظفرة ومن فلسفة " من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر".

الصحراء كحلقة وصل بين المغرب وامتداده الأفريقي

ورغم الشطحات الشيطانية للطغمة الفاسدة المتحكمة في الجزائر، يظل لهذه المسيرة الوقع الجيد على الأقاليم الجنوبية بعد استرجاعها حيث أصبحت هذه الأقاليم مسرحا لأوراش التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية. وهو المسلسل التنموي الذي بلغ أوجه بإطلاق استراتيجية تنفيذ النموذج التنموي الجديد لهذه الربوع في 8 نوفمبر 2015 في حفل بالعيون ترأسه الملك محمد السادس. ويمكّن هذا النموذج التنموي، الذي يعد ثورة حقيقية في مجال تدبير الحكامة من وضع القواعد المؤسسة لسياسة مندمجة، تحفز تعزيز إشعاع الصحراء كمركز اقتصادي وحلقة وصل بين المغرب وامتداده الأفريقي. إنها الإرادة السامية في جعل أقاليمنا الجنوبية نموذجا للجهوية المتقدمة المتجلية في تشكيلها قطبا فاعلا وأساسيا ضمن محيطها الوطني، والتكامل مع باقي الجهات في القضايا التنموية والاقتصادية المشتركة. ويشرب اعداء ماء البحرولن يجديهم ذلك في شيء لان الصحراء في مغربها و المغرب في صحرائه.

 

و من تم، أكدت هذه المسيرة الفريدة من نوعها على مستوى العالم، مدى التلاحم الذي جسدته عبقرية ملك مجاهد وشهامة شعب أبي أبان لكل العالم، أسمى تجليات الإخلاص للوطن وتصميم كافة المغاربة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب على استكمال الوحدة الترابية لبلادهم إلى أن عاد الحق إلى أصحابه وتحقق لقاء أبناء الوطن الواحد.