نضال المغرب من أجل تحقيق الاستقلال

 

واستكمال الوحدة الترابية

كتابة ׃ الحاج عبد المجيد نجدي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يخلد الشعب المغربي، يوم الجمعة 18 نونبر2016، بكل مظاهر الاعتزاز والافتخار، الذكرى ال61 لعيد الاستقلال الحدث المميز في التاريخ المعاصر للمملكة والذي جسد أسمى معاني التلاحم بين العرش العلوي المجيد والشعب المغربي الوفي في ملحمة الكفاح الوطني. 

ويعد تخليد هذه الذكرى قبل كل شيء مناسبة لاستحضار انتصار إرادة العرش والشعب في نضالهما المتواصل من أجل التحرر من نير الاستعمار وإرساء الأسس الأولى لمغرب مستقل وحديث وموحد ومتضامن.  

وكلحظة التحام للأمة، تعكس هذه الذكرى الكفاح الشجاع لشعب توحد وراء ملكه والذي أشعلت شرارته ثورة الملك والشعب يوم 20 غشت 1953، كما تشكل مناسبة للأجيال الصاعدة لإدراك حجم التضحيات التي بذلها أجدادهم للتحرر من ربقة الاستعمار واسترجاع المغرب لاستقلاله سنة 1955.

ملحمة التلاحم الوثيق بين العرش والشعب

تعتبر ذكرى عيد الاستقلال من أغلى الذكريات الوطنية الراسخة في قلوب المغاربة لما لها من مكانة عظيمة في الذاكرة الوطنية وما تمثله من رمزية ودلالات عميقة تجسد انتصار إرادة العرش والشعب والتحامهما الوثيق دفاعا عن المقدسات الدينية والوطنية. 

وبتخليد هذه الذكرى المجيدة، يستحضر المغاربة السياق التاريخي لهذا الحدث العظيم الذي لم يكن تحقيقه أمرا سهلا بل ملحمة كبرى حافلة بفصول مشرقة وعبر ودروس عميقة وبطولات عظيمة وتضحيات جسيمة ومواقف تاريخية خالدة صنعتها ثورة الملك والشعب التي تفجرت طاقاتها إيمانا والتزاما ووفاء بالعهد وتشبثا بالوطنية الخالصة في أسمى مظاهرها. 

ولقد انتصرت الإرادة القوية للأمة، بتناغم مع العرش للدفاع عن القيم الوطنية المقدسة، على مخططات المستعمر الذي لم يدرك أنه بإقدامه على نفي رمز الأمة، جلالة الملك الراحل محمد الخامس وأسرته، لم يقم سوى بتأجيج وطنية المغاربة والتعجيل بنهاية عهد الحجر والحماية.

فانطلقت عمليات جيش التحرير بالجنوب المغربي سنة 1956 لتخليص الصحراء المغربية من نير الاحتلال الإسباني، وأعلنها بطل التحرير صيحة مدوية في خطابه التاريخي بمحاميد الغزلان في 25 فبراير 1958، وهو يستقبل وفود أبناء قبائل الصحراء، مؤكدا مواقف المغرب الثابتة وتعبئته لاسترجاع صحرائه السليبة، ومحققا في 15 أبريل من السنة نفسها 1958 استرجاع منطقة طرفاية.

معركة استكمال الوحدة الترابية

سيرا على نهج والده المنعم محمد الخامس طيب الله ثراه، خاض الملك الموحد جلالة المغفور له الحسن الثاني رحمه الله معركة استكمال الوحدة الترابية، فتم في عهده استرجاع مدينة سيدي إفني في 30  يونيو 1969، كما تحقق استرجاع الأقاليم الجنوبية بفضل المسيرة الخضراء المظفرة التي انطلقت يوم 6 نونبر 1975، وارتفع العلم الوطني في سماء العيون يوم 28 فبراير 1976، إيذانا بجلاء آخر جندي أجنبي عنها. وفي 14 غشت من سنة 1979 تم تعزيز استكمال الوحدة الترابية للوطن باسترجاع إقليم وادي الذهب.

بيد أن الحكام الجزائريين وجهوا ضربتهم من تحت الحزام قوية بعدما تم استدراج مغاربة صحراويين، و تم تـأسيس “جبهة للبوليساريو” بدعم من ليبيا القذافية و مصر الناصرية، في عملية إصطفاف كانت جارية بين معسكرين أنذاك المعسكر الشرقي و المعسكر الغربي.

لقد إستغلت الجزائر أنذاك قضية الصحراء المغربية، و ملف عدم إعادة ترسيم الحدود بينهما على عهد الملك الراحل محمد الخامس الذي رفض مقترح فرنسا بإعادة ترسيم الحدود بين البلدين كما كانت عليه تاريخيا، حيث اعتبر الراحل محمد الخامس الأمر بين دولتين شقيقتين، سيلتزم كل واحد منهما بحدوده التاريخية كما ورثها منذ قرون.

تخلفت الجزائر كعادتها، و تملصت من وعدها، و بدأت في توجيه الضربات للمغرب، الذي قدم لها كل الدعم من أجل إعلان إستقلال الجزائر التي كانت فرنسا تعتبرها “باريس بيس” أو “فرنسا الثانية” بشمال إفريقيا.

والموقف الجزائري من قضية الصحراء المغربية موقف ينبني على منطق سياسي مغلوط، منذ تولي بوخروبة (هواري بومدين) زمام الحكم، فالجزائر اعتبرت أن ضعف المغرب و عدم استقراره سيكون عاملا حاسما في قوتها و استفرادها بقيادة منطقة شمال إفريقيا. وهكذا ستشن الجزائر حربا إعلامية على المغرب، و ستقدم كل الدعم المالي و اللوجيستيكي ” لتيار الإنفصال” بالصحراء المغربية، و تقدم نفسها محاميا بكل المحافل الدولية، من أجل “حق تقرير المصير”.

ومنذ ذلك الحين،عوض أن توجه الطغمة الحاكمة بالجزائر جهودها، لبناء دولتها و الاعتناء بوطنها، و القيام بإصلاحات سياسية و دستورية و بناء مؤسسات حديثة، و تسخير ثروات الجزائر في تحسين ظروف عيش الشعب الجزائري، تقدم هذه الطغمة الرشاوي و الهدايا و بيع الغاز و البترول في جنح الظلام لمن عادى المغرب و مصالح المغرب و قضايا الشعب المغربي، وهي تعاكس المغرب في قضية استكمال وحدته الترابية. وموقف كهذا يؤكد بالملموس أن حكام “قصر المرادية”مصرون على أن يتجاهلوا التاريخ ويوهمون شباب الجزائر على أن المغرب نزعته استعمارية.

نضال المغرب من أجل تحقيق الاستقلال

لقد مر نضال المغرب من اجل تحقيق الاستقلال بمرحلتين، الأولى تميزت بالكفاح المسلح (1912 - 1930) والثانية (1934- 1953) بانطلاق حركة وطنية سلمية سياسية تبلورت بعد إصدار الظهير البربري في 16 مايو 1930 وتمكن المغرب أخيرا من انتزاع إعلان الاستقلال في 2 مارس 1956 ليبدأ كفاحا آخر من أجل استكمال وحدته الترابية.

           1- ظهور الحركة الوطنية وتطورها ما بين 1930 و1939

مهدت عدة ظروف لقيام حركة وطنية إضافة إلى الاستغلال الذي تعرض له المغرب في مختلف المجالات وتدهور وضعية الفلاحين والحرفيين والتجار والساكنة. و كان إصدار الظهير البربري(16 مايو 1930) أهم حدث أدى إلى بروز الحركة الوطنية.

  ا- الحركة الوطنية في منطقة الاحتلال الفرنسي:

تم تأسيس أول حزب سياسي مغربي خلال الثلاثينيات وهو كتلة العمل الوطني بزعامة علال الفاسي ومحمد بلحسن الوزاني وأحمد بلافريج. هذا التكتل تقدم بمطالب شملت عدة مجالات:

 - إصلاحــــات إداريـــــــــــــة:  -فرض احترام النظام الإداري الاستعماري     

                                          للمعاهدات الدولية

                                         -عدم السماح بالمس بالحدود المغربية

                                         -إلغاء كل المؤسسات التي أقيمت منذ إعلان الحماية

 - إصلاحـــــــات اجتماعـــيــة:  - السماح بإنشاء مدارس حرة وإقامة المؤسسات

                                           العمومية خاصة المستشفيات

 - إصلاحات اقتصادية وماليــة:  -إعطاء الدولة المغربية حق استغلال المناجم

                                    -     وقف الاستعمار الرسمي بالبوادي والمساواة في

                                         الضرائب المعمرين والمغاربة

 ب- الحركة الوطنية في منطقة الاحتلال الاسباني:

 قادها حزب الإصلاح الوطني 1933 بزعامة عبد الخالق الطريس وحزب الوحدة المغربية 1937 بزعامة محمد المكي الناصري ، واللذان تقدما بعدة مطالب منها:

                                    - التشبث بالعرش العلوي                

                                   - فتح مدارس ابتدائية وثانوية وفرض نظام التعليم بالعربية

                                   - تكوين مجالس بلدية                    

                                  - تحسين وضعية الفلاحين بالقيام بإصلاح فلاحي

وعلى العموم، سواء في الشمال أو الوسط فإن الحركة الوطنية كانت موحدة الأهداف، ونسقت بين مطالبها وطريقة نضالها ضد  الاحتلال. وهكذا شجعت الحركة الوطنية على׃

- تأسيس المجلات والجرائد من طرف شباب مغاربة تلقوا تعليما عصريا في مؤسسات الاحتلال فتشبعوا بالأفكار الليبرالية  

- اندماجهم في صفوف الحركة الوطنية الناشئة وتأسيسهم لمجلة المغرب (1932) بباريس وجريدة الشعب (1933) بفاس و اللتين عملتا على:  

                        - نشر أهداف الحركة الوطنية والتعريف بها

                        - كشف الوجه الحقيقي للسياسة الاستعمارية و التنديد بالاستيطان الفلاحي

                        - الدعوة إلى مقاطعة بضائع المستعمر

        ت- تطور الحركة الوطنية بين 1939 و 1956 وعودة الكفاح المسلح   

          واستكمال الوحدة الترابية׃

 

1 – بعض الأحداث ودورها في التطورات اللاحقة للحركة الوطنية ما بين 1939 و 1945 ׃

          - الحرب العالمية الثانية التي أبانت عن ضعف الجهاز الإداري الفرنسي

           وهزائمه المتتالية

         - إصدار الميثاق الأطلسي 1941 والذي تضمن مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها

         -  زيارة الرئيس الأمريكي روزفلت للمغرب وتعهد هذا الأخير في لقاء أنفا

            سنة 1943 بمساعدة المغرب على نيل استقلال .

         وقد ساهمت هذه الأحداث في تطور العمل الوطني من مستوى المطالبة بالإصلاحات   

         في ظل الحماية إلى المطالبة بالاستقلال حيث أصدر حزب الاستقلال في 11  يناير 1944 عريضة          المطالبة بالاستقلال طالب فيها ب: فسخ معاهدة الحماية التي فشلت في تحقيق النتائج المرجوة -                  التأكيد على أن المغرب دولة لها تقاليد عريقة في الحرية والسيادة- استقلال المغرب تحت سيادة                  سلطانه محمد بن يوسف.

        و هكذا ساعد حدث (تقديم عريضة الاستقلال) الذي عكس تطور وعي رجال الحركة الوطنية في               تمهيد الظروف لاستقلال المغرب.  

2 – التطورات التي انتهت باستقلال المغرب ما بين 1946 و 1956 (عودة الكفاح

     المسلح)׃

         

       

         لقد كان أثر كبيرلإصدار وثيقة الاستقلال بتنسيق مع السلطان محمد بن يوسف،

        وخطاب طنجة سنة  1947 الذي أكد فيه السلطان وحدة المغرب، وخطاب العرش

        سنة 1952 الذي شبه فيه السلطان الحماية بقميص قصير وضيق لصبي شب وترعرع

        فلم يعد القميص صالحا له، اغتيال النقابي التونسي فرحات حشاد 1952 وقيام

       المظاهرات الاحتجاجية قمعتها فرنسا بعنف ما أثر على سمعتها (أحداث كاريان سنترال) على                    مجريات التطورات حيث  :

- خلعت الحكومة الفرنسية السلطان محمد بن يوسف ونصبت مكانه محمد بن عرفة في 20 غشت 

  1953

- نفي السلطان محمد بن يوسف وعائلته إلى جزيرة كورسيكا ومنها إلى مدغشقر

- انطلاق المظاهرات وعودة الكفاح المسلح من خلال الحركات الفدائية ضد القواعد الفرنسية 

       

      و نظرا للتلاحم القوي بين الشعب و السلطان محمد بن يوسف، اضطرت الحكومة

      الفرنسية إلى فتح مفاوضات مع السلطان وقادة الحركة الوطنية سنة 1955

      انتهت بعودة السلطان يوم 16 نونبر 1955 إيذانا بنهاية عهد الحجر والحماية وبزوغ

      فجر الحرية والاستقلال بفضل كفاح مرير خاضه العرش والشعب رسم أروع صور   

      الوطنية الصادقة.

     

      وفي 18 نونبر 1955، ألقى محمد الخامس خطابا تاريخيا أعلن فيه   

      العزم على إنهاء نظام الحماية وبزوغ عهد الاستقلال. وفي نفس الوقت تم تشكيل  

     الحكومة المغربية الأولى، حكومة ائتلافية برئاسة امبارك البكاي، معظم وزرائها من  

     حزب الاستقلال. وقد دخلت هذه الحكومة في مفاوضات مباشرة مع الدولة الفرنسية  

     لإلغاء معاهدة الحماية وللإعلان القانوني عن استقلال المغرب. وفي 2 مارس 1956  

     سيتم رسميا وبموجب اتفاق بين الدولتين الفرنسية والمغربية إلغاء معاهدة الحماية.

     كما سيتم بموجب اتفاقية مماثلة مع الدولة الاسبانية، وقعت يوم 7 أبريل 1956، إلغاء نظام  

     الحماية بالمنطقة الشمالية. وفي أواخر أكتوبر 1956 سيتم إلغاء الطابع الدولي لمنطقة

     طنجة وإخضاعها للسيادة الوطنية المغربية.

     وهكذا، فقد ظل المغرب، رسميا طيلة نهاية الخمسينات وإلى حدود وفاة محمد الخامس   

     في نهاية فبراير 1961، يحتفل من جهة بما سمي بالأيام المجيدة الثلاثة: 16 نونبر (عيد  

     العودة، أي عودة محمد الخامس من المنفى) و17 نونبر (عيد الانبعاث) و18 نونبر (عيد

     العرش الذي كان يخلد ذكرى جلوس محمد الخامس على العرش في 18 نونبر 1927).  

     كما ظل المغرب طيلة نفس الفترة يحتفل بعيد الاستقلال في 2 مارس من كل سنة     

3 - مراحل استكمال الوحدة الترابية׃

     بعد حصول المغرب على الاستقلال، بقيت عدة مناطق في يد الاحتلال الإسباني    

    استرجعها المغرب عبر مراحل كما يلي:

   - 1957: إلغاء الوضع الدولي لطنجة واسترجاعها إلى جانب الرباط

   - 1958: استرجاع إقليم طرفاية

   - 1969: استرجاع سيدي إيفني بعد مواجهات عسكرية بين جيش التحرير والإسبان

   - 1975: استرجاع منطقة الساقية الحمراء بعد تنظيم المسيرة الخضراء

   -  1979: استرجاع المغرب الأطراف الجنوبية (وادي الذهب) بعد تخلي موريتانيا

                عنها طبقا لمخطط شيطاني لدكتاتورات الجزائر، فقدم ممثلوالأطراف

                الجنوبية المغربية الولاء للملك الحسن الثاني طيب الله ثراه يوم 14غشت 1979 

إن الاحتفال بذكرى عيد الاستقلال المجيد يعيد تلك الأحداث العصبية والمجيدة في الوقت ذاته، التي عاشها الشعب المغربي، طيلة عقود من الزمن، كرس فيها تشبثه بحقه في الحرية و الكرامة. وإذ يستحضر الشعب هذه الذكريات، فإنه يؤكد على أنه رغم كيد الكائدين يواصل تحت قيادة محمد السادس نصره الله معركة الجهاد الأكبر، في بعديه الاقتصادي والاجتماعي و السياسي، بما تعنيه من تعبئة شاملة لكل مكونات المجتمع، لبناء الدولة المغربية الحديثة، على أسس ديمقراطية وتشاركية وتنموية.