عاشوراء في دكالة .. عادات ومظاهر
منحرفة و سلوكات مشينة
كتابة : الحاج عبد المجيد نجدي و المصطفى لخيار
“عواشر مبروكة.. علينا وعليك” بهذه الجملة يبدأ الدكاليون منذ مطلع شهر محرم الحرام ودخول السنة الهجرية الجديدة. تهنئة بعضهم البعض احتفالا بيوم عاشوراء، الذي يحظى باهتمام خاص لدى الناس في دكالة. و الاحتفالات بعاشوراء في دكالة تتميز بطقوس وعادات خاصة تتوارثها الأجيال، ومازال إحياؤها قائما حتى اليوم في معظم المدن والقرى. و لا تخلو احتفالات من مظاهر منحرفة و سلوكات مشينة.
دأب أهل دكالة خلال احتفالهم بيوم عاشوراء الذي يصادف يوم عاشر محرم، على إحياء تقاليد وعادات، ذات طبيعة احتفالية، من أبرز مظاهرها اقتناء الفواكه الجافة، وشراء اللعب للأطفال، وإيقاد النيران والتراشق بالماء في بعض المدن كالدار البيضاء.
وتبدأ استعدادات الدكاليين لتخليد يوم عاشوراء بحلول شهر محرم، أول أشهر السنة الهجرية، حيث تنتشر محلات بيع الفواكه الجافة "تين وتمر وجوز وحمص وحلوى ..." ولعب الأطفال " مسدسات مائية وأواني وتعاريج ودمى ..."و التي يؤدي إقبال الناس عليها إلى خلق رواج تجاري مؤقت، ما يلبث أن يخفق بانتهاء مظاهر الاحتفال.
وخلال ليلة العاشر من محرم، يقوم الشباب بإضرام النيران في الأخشاب وأغصان الاشجار أو عجلات السيارات التي جمعوها، ثم يلتفون حولها مرددين بمعية الفتيان والنساء أهازيج خاصة بهذه المناسبة،مرفوقة بالضرب على الدفوف والتعاريج. لكن هناك من النساء من يستغللن الفرصة بدافع الجهل لممارسة أعمال الشعوذة والسحر.
وتظهر خلال عاشوراء شخصية "بابا عيشور" الأسطورية تتغنى بها الفتيات وهن ينقرن على تعاريجهن مرددات عبارة " عيشوري عيشوري..دليت عليك شعوري"، كما يقلن "بابا عيشور ما علينا لحكام ألالة "
وفي صبيحة اليوم الموالي، يشرع الأطفال والشبان في بعض المدن - خارج منطقة دكالة- في رش بعضهم البعض بالمياه في مهرجان مائي يطلق عليه المغاربة "التزمزيمة" أو " زمزم" الذي يستمر طيلة اليوم، حيث تتحول إلى مطاردات في الدروب والأزقة، قد تنتهي بمشاجرات. ناهيك عن خلط الماء بالبيض أو بسوائل أخرى قبل رشقه، بنيّة إيذاء الفتيات والنساء. فيؤدي ذلك سنوياً عاماً بعد عام إلى عدد من الشجارات الحادة التي يصل بعضها إلى ردهات المحاكم. و هذه العادة لا تقام بدكالة خلال عاشوراء، و لكن يوم ثاني عيد الاضحى، و تسمى " احليلو ".
وفي يوم عاشوراء أيضًا، يجول الأطفال من منزل إلى آخر مطالبين بحقهم في الحلوى والجوز واللوز وهو ما يعرف بـ"حق بابا عاشور". في حين يطلب بعض الفتيات من المارة مدهم ببعض الدريهمات مرددات : "عويد فوق عويد.. الله يعطيك وليد".في المقابل، ينال بعض رافضي إعطاء النقود إلى فتيات عاشوراء أدعية بالويل والثبور والذرية العليلة.
وعندما يسدل الليل ستاره يوم عاشوراء، تجتمع الأسر الدكالية حول وجبة الكسكس المعدة بالخضار وقطع اللحم المجفف " الديالة أي ذنب أضحية العيد" أو "الكرداس " ، وتناول الفواكه الجافة ضمن سمر ليلي لا يخلو من متعة. وتشكل عاشوراء ايضا مناسبة لغالبية الدكاليين للتعبد والصيام وإخراج الزكاة وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين في ما يعرف ب"العواشر"، وكذا زيارة المقابر.
اللجوء إلى السحر والشعوذة وإشعال النيران في يوم عاشوراء
10 محرم، أو يوم “عاشوراء”، يوم له طقوس و طابع خاص لدى الدكاليين. وهذه الطقوس انزاحت معها “عاشوراء”، عن طابعها الديني، لتتلبّس بلبوس السحر والشعوذة والبدع وغيرها من الأعمال التي لا تمتُّ إلى الدين بأي صِلة. وهي أعمال يتوهم ممارسوها أنهم يطردون النحس والبلاء والسحر.
وباتت ذكرى عاشوراء في المغرب عامة و دكالة خاصة مقرونة بعدد من الطقوس المنافية لما ينصّ عليه الدين الإسلامي، مثل التعاطي للسحر والشعوذة، أو طقوس أخرى مزعجة، ورشّ المارة بالماء، وإشعال النار في الفضاءات العمومية…
وهذه الاحتفالات بالنار، والتي ينسب باحثون أصولها إلى عصور خلت كان فيها القدامى يحتفلون بالنار ويطوفون حولها، وقد توارثها الأهالي، بالرغم من الأديان المتعاقبة وصولاً إلى الإسلام، لا تمرّ من دون حوادث وطقوس غريبة بسبب اعتقاد بعض النساء بأهمية "الشعالة" في عاشوراء لتحضير وصفات سحرية ترتبط بالشعوذة بهدف "تطويع" أزواجهن عندما يلقين تلك الخلطات السحرية الغريبة وسط ألسنة النيران.
و"الشعالة" في عاشوراء هي من الممارسات الوثنية التي تحيل إلى تقديس عناصر الطبيعة والاحتفاء بها، كالماء والنار والحجر و الشجر، وهي ممارسات عرفها البشر منذ تاريخ غابر، تعود لعشرات آلاف السنين قبل الديانات التوحيدية. وكانت الوثنية شائعة في شعوب شمال إفريقيا قبل مجيء الإسلام، إلا أنها لم تندثر بشكل كامل، إذ استمرت في الترسبات الثقافية والطقوس الاحتفالية إلى اليوم.
و يُجمع علماء الدين على أنّ الطقوسَ المُمارَسة بمناسبة الاحتفال بعاشوراء بِدَع مخالفة للدين الإسلامي. و إنّ إقدام بعض الناس على التعاطي لأعمال السحر والشعوذة وغيرها من الطقوس المخالفة للإسلام مردُّه إلى الجهل وتُسقط فاعلها في براثن الكفر.
وبالإضافة إلى أعمال السحر والشعوذة، فقد أصبحنا نرى يوم ثاني عاشوراء الكثير من الأطفال والشبان – في بعض المدن المغربية ما عدا دكالة- أصبحوا ضحية مجموعة من العوائد المستحكمة، حيث شاع بينهم التراشق بالماء كلما حلت ذكرى عاشوراء. وهي عادة دخيلة غير إسلامية، ورثها من ورثها عن اليهود. فظاهرة التراشق بالمياه هاته في عاشوراء من البدع التي استحدثها يهود ليبيا، وشاعت في أوساطهم جيلا بعد آخر قبل هجرتهم الجماعية إلى فلسطين المغتصبة، وانتقلت هذه البدعة من يهود ليبيا لتنتشر بين يهود المغرب في الملاحات قبل هجرتهم أيضا. أما قصدهم من هذه البدعة، فقد كان معتقد يهود ليبيا أن التراشق بالماء في هذه المناسبة سبب للغيث ونزول المطر
إن الطقوس المشينة التي يمارسها بعض المغاربة و الدكاليين في مناسبة عاشوراء لها ارتباط بديانات أخرى كانت ممارسة بالمغرب قبل الاسلام كالمسيحية واليهودية والوثنية، و ظلّت آثارها عالقة في مجموعة من الطقوس والعادات التي يمارسها بعض المغاربة و بعض أهل دكالة عن جهل، و التي تتمّ عن غير وعي، إذ لا يعرفون أصولها.