الواقع المسرحي في الجديدة

 

بين الإحباط و خيبة الأمل

كتابة : الحاج عبد المجيد نجدي

«أعطني خبزاً ومسرحاً أعطيك شعباً مثقفاً»، بهذه الكلمات سأبدأ حديثي عن الواقع المسرحي في مدينة الجديدة الذي تواجهه الكثير من الصعوبات والمعرقلات.

فالمسرح الجديدي ٲعطى الكثير٬ و مشهود  له بالتميز . و دور المسرح الجديدي في الإبداع و التٲلق كبير جدا٬ لٲن الفنان الجديدي كان و مازال يؤمن بٲن الإبداع هو هويته المميزة. وليس غريب على رجالات و نساء المسرح الجديدي الدور الٲكبر في تطور المسرح من خلال طرح الأفكار والمشاريع الجديدة بشكل تجريبي ومتطور بما يتناسب مع التطور الحاصل في المسرح العالمي٬ ولا ننسى تطوره من خلال التواصل مع العالم من خلال جميع الاتصالات المتاحة. بيد ٲنه لما رفض التسلط ورفض القيود٬تم تهميشه  و حورب بشتى الطرق.

      

إنه واقع مر يعيشه الفنانون المسرحيون الجديديون في الجديدة والذين يواجهون الكثير من الصعوبات والمعرقلات في مسيرتهم الفنية والثقافية، منها المسطرة المعقدة للحصول على ترخيص استغلال مسرح محمد سعيد عفيفي وغياب الدعم المادي والمعنوي للنهوض بواقع الفن المسرحي في المدينة.

كما يعاني المسرحيون الجديديون الكثير من التهميش وعدم وجود الدعم المادي والمعنوي لهذا الفن العريق، مما يجبر الفرق المسرحية الجديدية  على عدم الاستمرار في عروضها نظرا لما يعانونه من إهمال من طرف السلطات والمجلس البلدي ومن الجهات ذات العلاقة. في حين يتم تشجيع أشباه فنانين ومرتزقة يؤتى بهم من جهات أخرى لغرض في نفس يعقوب، وكأن الفن والتمثيل حرام على المسرحيين الجديديين وحلال  على أشياعهم.

وبما أن المسؤولين ينهجون « سياسة مطرب الحي لا يطرب »، فإن ملامح الحسرة والغصة  تعصر يوميا قلوب المسرحيين الجديديين إلى حد أن جلهم لا يفضل أن يمر بجانب بناية مسرح محمد سعيد عفيفي. أضف إلى ذلك، تجاهل المسؤولين للجدوى الاقتصادية من انتعاش المسرح في الجديدة على يد أبنائها والتي قد تنعكس ايجابياً على الصالح العام.  فلماذا تسد أبواب مسرح محمد سعيد عفيفي بطرق ملتوية إن لم يكن الغرض من ذلك تهميش المسرحيين الجديديين و إحباطهم، في الوقت الذي لم يتم فيه عرض أية مسرحية من إنتاج جديدي منذ ما ينيف عن سنة؟ و إذا كان هذا المسرح لا يفتح في وجه الطاقات المسرحية لتشجيعهم ، فالأولى تغيير اسمه من مسرح محمد سعيد عفيفي إلى قاعة الحفلات مخصصة للشطيح و الرديح والقعدة؟

و هكذا، ٲصبح مسرح محمد سعيد عفيفي يعيش على إيقاع الفن الماجن و المنحط ، حيث تحول من فضاء لاحتضان العروض المسرحية والفنية والتثقيفية، والإبداعات الراقية، إلى فضاء للتمييع و الميوعة، وسهرات "الشطيح والرديح" وأشياء أخرى.  و هذا يتنافي مع القيم و الرسالة النبيلة للفنون الدرامية.

ومن جهة أخرى، كانت هناك دعوات ومناشدات من قبل المختصين بمجال الفن المسرحي بالجديدة والتي طالبت غير ما مرة بتبني مشروع إحداث فرقة مسرحية تابعة لمسرح محمد سعيد عفيفي. لكن ظل صرختهم في واد وما يدبر في الخفاء في واد آخر بغرض طمس كل معالم المدينة الثقافية والفنية. وفي هذا الباب،  يتذكر الجميع قاعات السينما في المدينة وهي مرحبا و الريف و«ديفور» وجميعها انقرضت.أما المسرح فهو الآخر بات لا يقام فيه أي نشاط مسرحي من إنتاج المسرحيين الجديديين نظرا للمعرقلات الكبيرة التي تعترض مسيرتهم.

لقد شهد المسرح الجديدي انطلاقة متميزة لمّا تأسست عدّة فرق تمثيلية أهمّها: "الهلال المسرحي"، و"الرابطة المسرحية"، و"النهضة المسرحية"، و " عروس الشواطئ"، و"أصدقاء المسرح الجديدي"، ثمّ تلتها في فترات لاحقة جمعيّات أخرى مثل "البعث المسرحي"، و"الثقافة و الفنون"، و "القناع الازرق"

وكان المسرح الجديدي مدرسة للأخلاق الفاضلة ولنشر الوعي الوطني، و تعرية الواقع الاجتماعي و الواقع العربي ومعالجتهما بشكل فني يقوم على حماسة المتطوّعين من الهواة وتفانيهم.

و هكذا تمكن من أن يكون في مستوى المسارح المغربية المتقدمة، و هذا يعني ريادة المسرح الجديدي٬ مما جعله في مصاف المسارح التي كانت لها الريادة على عموم مسرحنا المغربي.فنال عدة جوائز بكفاءة عالية، وفرض نفسه على الساحة المغربية. كما تألق بعدة مهرجانات و ملتقيات بالجزائر و تونس و ليبيا و مصر ولبنان و العراق. و استحوذ على إعجاب الجماهير بكل من فرنسا و إسبانيا و إنجلترا(مسرح الطفل) و ألمانيا(مسرح الطفل) و اليابان(مسرح الطفل)... هذا هو المسرح الجديدي الٲصيل٬ لا مسرح التهريج و المتطفلين و "لمرايقيا" كما يراد له و يخطط له من طرف البعض.                 

إن المسرح (ٲبو الفنون) هو الكفيل بنقد الظواهر الغير جيدة وبشكل ممتع ومقبول من قبل الناس. فهو يحمل رسالة فكرية وجمالية لطرح قضايا الناس (اعطني خبزا ومسرحا اعطيك شعبا مثقفا ). لكن المسؤولون بالجديدة يعرفون هذا جيدا٬ لذلك يحاربون الفن والفنانين الحقيقيين٬ لأنهم بصريح العبارة يريدون ٲن يتحكموا بالفن كيفما يشاءون.

إن المسرح الجديدي بات بحاجة الى مراجعة حقيقية لبناء وإرساء ثقافة مسرحية وتهيئتها عن طريق تشجيع الطاقات المحلية و الأخذ بيدها لغرض إعادة الروح إلي المسرح الجديدي الذي أعطى الشيء الكثير للثقاقة المغربية منذ بداية القرن العشرين. فإلى متى سيظل المسرح الجديدي مهمشا و غير مرغوب فيه؟