إعدام التحفة المعمارية المعروفة

 

بدار ريكيتا و إحداث اختلالات تعميرية

كتابة : الحاج عبد المجيد نجدي و المصطفى لخيار

رغم الأهمية القصوى  التي يكتسيها التراث المادي و اللامادي في تحصين الهوية الوطنية، و رغم الحرص على حماية البنايات ذات الخصائص المميزة من حيث التنوع الحضاري و المعماري و العمق التاريخي، فإن ما بقي من الإرث المعماري التاريخي لا زال يصارع أخطار الجهل واللامبالاة وانعدام المسؤولية، من أجل الصمود والبقاء. في حين، يتم الإجهاز بشكل صارخ على المعالم المعمارية لمدينة الجديدة، فيتم دون حسيب و لا رقيب هدم التحف الهندسية الرائعة ليحل محلها وعلى أنقاضها بنايات بشعة، بقسوة جارفة لا تحتمل. و هذا ما عرفته زنقة 20 غشت بمدينة الجديدة.

لقد كانت مدينة الجديدة مليئة بالتاريخ و التحف المعمارية المميزة، ناطقة بأمجاده وملاحمه وآثاره وتجلياته. قبل أن يبدأ التدفق السكاني زاحفا عارما عليها.مما أعطاها لاحقا، تنوعا ديموغرافيا، ونموا عمرانيا غير متحكم فيه. وبالتالي تهافتا غير مسبوق على العقار بها. وانتهاء بتهديد كل هذه المعالم المعمارية التاريخية بالإهمال والعبث، بل وربما حتى التلاعب، وبالتالي الزوال والإندثار، في غفلة أو ربما تغافل وتواطؤ من المسؤولين والمعنيين بالأمر.

و لم يكن أحد يتخيل أو يتصور، أن تمتد أيادي البعض لتحطم التحفة المعمارية بزنقة 20 غشت المعروفة بدار ريكيتا وتدمرها. وتطيح معها بجزء مهم من ذاكرة المدينة، وإرثها التاريخي والحضاري. فهذه الأيادي لم تردعها جمالية عمرانها الرائعة، ولا رونق هندستها البديعة. فقد تم الإجهاز على هذه المَعْلمة الرائعة، لتوفير عقار بئيس، لتشييد عمارة بشكل كئيب ومقزز غير وطمس معالم دار ريكيتا بالكامل التي كانت تتميز بواجهة تحمل أشكالا هندسية بديعة.

فعند إعادة البناء على أنقاض دار ريكيتا لم يتم الحفاظ للأسف على الواجهة المميزة لدار ريكيتا. و هكذا تم طمسها وتغيير كثير من ملامحها الداخلية و الخارجية، ومعالمها القديمة بالكامل. فاستسلمت لقدرها المقدر، واستكانت لمصيرها المحتوم.

و استنادا إلى مقتضيات القانون رقم 12/66 المتعلق بالتعمير، فقد لوحظ إحداث مجموعة من الاختلالات في الوجهة الجديدة من بينها :

1-    إنشاء السلم العلوي (les escaliers) للعمارة فوق الملك العمومي.( انظروا الصورتين التاليتين)

2-    عدم مراعاة المقاييس المسموح بها بين شرفات هذه البناية (les balcons) و شرفات البناية المجاورة.( انظروا الصورتين التاليتين)

فهل سيتم إيفاد لجنة من ذوي الاختصاص لعين المكان للتحقق من مدى احترام منطوق القانون المذكور أعلاه، و التأكد من التطبيق السليم للتشريعات التعميرية الجاري بها العمل؟ أم أن الساهرين على الشأن المحلي سيظلون يساهمون في الإجهاز على الإرث العمراني بشكل مباشر، من خلال منح رخص الهدم والبناء، التي أتت على الكثير من المعمار التاريخي البديع للمدينة؟

 إن كل هذا، ليمثل غصة حارقة، وألما متغلغلا في نفوس كل الغيورين على المدينة، وعلى رونقها الغني بالتحف المعمارية المميزة ، وحاضرها البئيس التعيس، المبتور تقريبا من هذا الإرث المعماري التاريخي. ومستقبلها غامض المعالم، الذي ينذر بكثير من المشكلات الحضرية المتفاقمة. غصة ناجمة عن وقوع  أكبر عملية « سرقة » تعرضوا لها، وهي سرقة الذاكرة.

إن السؤال المحير في الأمر أيضا، هو ما الذي يجعل المسؤولين يغطون في نومهم العميق. يوم كانت المباني التاريخية تـُدك وتهدم بقسوة، وتتساقط تساقط أوراق الخريف. لتُحول إلى مبان بائسة باهتة القيمة والأهمية.

إن قيمة وأهمية شواهد مدينة الجديدة المادية التاريخية ونسيجها العمراني التاريخيي يجب بقوة القانون حمايته من التخريب والإتلاف، بدل إطلاق العنان لفوضى البناء العشوائي غير المقنن الذي أنتج نموا عمرانيا سرطانيا عشوائيا بشعا ومنفلتا، هو في مجمله عبارة عن تراكمات مشوهة للإسمنت المسلح الأعمى. مما أزاح عن المدينة هيبة التاريخ، وطابع الانتظام و الجمالية التي عرفتها منذ بداية ظهورها الأول مع المعمار الكولونيالي.