” تڭرديع ” المفسدين بالجديدة يتم بتحكيم
الضمير والتصويت بكل أمانة ونزاهة
أيام قليلة على انطلاق موعد الانتخابات الجماعية بالجديدة التي شهدت خلال فترة الدعاية الانتخابية الكثير من التنافس في جو مشحون بين المرشحين ، يترقب الجديديون النتائج على ضوء اختلاف الناخبين في الشارع الجديدي بشأن تقييماتهم للحملة الانتخابية وبرامج المرشحين. وتذهب أغلب التكهنات إلى أن السباق على رئاسة المجلس البلدي سينحصر بين مرشحين اثنين سيحصلان على عدد مهم من المقاعد. فهل النتيجة محسومة مسبقا؟ لنقم بقراءة تحليلية للمشهد الانتخابي على ضوء ما يتداوله الشارع الجديدي هذه الأيام.
بعد الاطلاع على كل اللوائح المترشحة٬ يرى البعض أن الجديدة تشهد مرة أخرى في تاريخها عملية “اڭليب الكبوط” وترشح نفس الوجوه المعتادة٬ مما يجعل حظوظ جميع هؤلاء المرشحين خصوصا وكلاء اللوائح متساوية وهو ما يجعل النتيجة غير محسومة لآخر لحظة. ويعتبرون أن الحملة الانتخابية في الجديدة شهدت منافسة حامية بين مختلف المرشحين مع اللجوء إلى بعض الممارسات الغير مقبولة.
ويواصل مرشحوا الإنتخابات الجماعية ببلدية الجديدة حملتهم الإنتخابية من خلال توزيع المنشورات التي تحمل رموز أحزابهم وصورهم الشخصية إضافة إلى ممثلهم في الإستحقاق الجهوي ، وكذا عن طريق تنظيم تجول طوابير من الأطفال والنساء والعاطلين عن العمل مختلف أزقة المدينة ، رافعة شعارات ووعودا بالتغيير وتحسين أحوال المدينة ، التي أصابها الركود وتراجع موقعها جهويا لصالح كل من الدارالبيضاء وسطات… وتتشابه برامج الأحزاب إلى حد كبير والتي ضُخمت شيئا ما ، مما سيضع مختلف المرشحين في موقف محرج وتحت ضغوط هائلة بفعل فقدان الشارع الثقة في العمل السياسي بمختلف أشكاله ، وهذا سيكون تحديا في نفس الوقت بالنسبة للمترشح ليثبت وجوده ويصحح ما يمكن تصحيحه قبل فوات الأوان .
وقد ظننا أننا سنودع حلقات الكوميديا في المشهد السياسي الجديدي خلال هذه الاستحقاقات، ولكن يبدو أننا كنا واهمين، حيث وجد الناخب الجديدي نفسه حائرا أمام الوعود العرقوبية المتشابهة التي يقدمها المرشحون، خلال الحملة الانتخابية لاقتراع الرابع من شتنبر 2015 للجماعات الترابية، بغية استمالة الناخبين للوصول إلى كرسي المجلس، والتمتع بلقب حضرة ” سعادة العضو ” وما فيه من مظاهر الرفعة والنفوذ.
لقد جاءت انتخابات هذه السنة مُحَمّلة بأطنان من الوعود والكلام المعسول الذي يكاد يصيب الناخب بالتخمة الكلامية، ذلك أن جل اللوائح الانتخابية، إلا ما نذر، تفتقد للواقعية والموضوعية، وأن غالبية هؤلاء الذين يقدمون الوعود الزائفة سيتنكرون لمنتخبيهم بعد أن يحطوا رحالهم في مقر البلدية. وهذا يمثل أبشع استغلال يمكن أن يخرج من أقبية تلك الكيانات السياسية، لأن من يخدع المواطن بوعود لا يمكن تحقيقها، ويخون الأمانة والثقة التي يمنحها المواطن إياه، فمن اليسير عليه بعد الفوز من إخلاف وعوده والغرق في مستنقع الفساد الإداري والمالي.
ويرى العديد من الملاحظين السياسيين، أنه في ظل حملة انتخابية يشوبها الفتور، لم يجد المرشحون للانتخابات الجماعية بُدّا من إطلاق الوعود، بما في ذلك تلك التي يستحيل تحقيقها. وهي وعود لم تكن تخطر على بال أغلبية الناخبين بالجديدة، كما أن لا أحد من المترشحين أعطى التفاصيل حول كيفية تحقيق ذلك، مما يعزز شكوكهم في قدرة هؤلاء على تجسيدها في أرض الواقع، إدراكا منهم لمحدودية إمكانيات الجماعة وتردي الأوضاع في شتى المجالات٬ حتى أن أحد المواطنين شبهها ب ” الفنيد” الذي كان يوزع على المرضى في كل مستوصفات الأحياء المغربية لعلاج كل الأمراض !!
ويشير أغلب الملاحظين، إلى أن هذا التشابه، وضع الناخب الجديدي أمام صعوبة التمييز بين برامج الأحزاب التي تختلف في توجهاتها السياسية. شعارات رنانة يطرحها المرشحون، معظمها كذب وخداع، ويحتاجون معجزة إلاهية من أجل تحقيقها. وعود تتراوح بين الوهم وبين المفترض حدوثه. وتُصَوّر تلك الوعود كل شبر من الجديدة كأنه ” الجنة المهملة” التي تنتظر فوز صاحبها بالانتخابات كي ينطلق في مهمة تغييرها. وهي وعود وصفت ب ” غير الواقعية” و “المضحكة”.
فمن المرشحين من سيشفي الأعرج والأبرص والأعمى، ومنهم من سيضرب بعصاه البحر ليشق طريقا لحشود المعطلين عن العمل، ومنهم من وعد ناخبيه بتحويل الأحياء إلى حدائق غناء حيث الخضرة وزقزقة العصافير، ومنهم من وعد بالترامواي، ومنهم من وعد بتوفير أرقى خدمات النقل والنظافة ، ومنهم من وعد بما يفوق صلاحيات وإمكانيات الجماعة.
إنه نوع من العبث يكاد يرقى إلى “الكوميديا السوداء”، فترى المرشحين يبتسمون في وجه كل الناس، ومن يقابلونه يأخذونه بالأحضان كأنه صديق حميم، في مسلسل انتخابي ببرامج سيئة الإخراج، عبارة عن صفحات صماء، وكم هائل من الوعود والأرقام التي من الصعب أن يستوعبها المواطن، تُسْتَخدم كطعم لناخب يؤرقه تغيير واقعه المعيش. كل ذلك يحدث في إطار عملية خداع للناخب بالعزف على أوجاعه، وجعله ضحية للوعود الكاذبة، إذ غالبا ما يفشل المرشح الذي يصبح مستشارا أو حتى رئيسا فيما بعد بالوفاء بوعوده.
وكثير من الأحزاب بالجديدة لا تجد فرصة لتحقيق بعض الوعود، لأن الناخبين لا يمنحونها ثقتهم. وحتى الأحزاب التي تفوز في الانتخابات، قد تنسى ما وعدته للناخبين قبل إجراء الانتخابات. ويلاحظ أن كثيرا من السياسيين قد لا يكون لديهم فكرة واضحة عن كيفية تنفيذ مثل هذه الوعود على أرض الواقع، وتكون النتيجة وعود انتخابية بغرض الفوز بالمقعد، وبدون نية حقيقية في تنفيذ تلك الوعود. ولم يصل العلم حتى الآن إلى طريقة تكشف الكذاب من الصادق، ومن الناذر أن تجد سياسي بالجديدة يقول الحقيقة، وهو أمر يعرفه الناخبون “المنتفعون”، ممن اعتادوا أن يحصلوا على بعض “مطالبهم” مباشرة أثناء الحملات الانتخابية، لعلمهم بأنهم لن يروا المرشح مرة أخرى إلا في الانتخابات التالية. خاصة أن هناك شبه إجماع على أن المال يلعب دورا في الانتخابات. وليس هناك طريقة لكشف هذه الأمور التي تتم بتراضي الأطراف ويصعب إثباتها.
و نفس الأمر فيما يخص الكشف الطبي، لا يوجد حتى الآن كشف عن الكذب السياسي. ولو حدث وتم عرض المترشحين بالجديدة على جهاز كشف الكذب، ربما لن يكون هناك إمكانية لترشح الغالبية الساحقة منهم. ومع تكرار الوعود الكاذبة من أحزاب متعددة وساسة من كل الاتجاهات بالجديدة، يبدأ الناخبون في فقدان الثقة في العملية السياسية برمتها. و يتضح ذلك جليا، في تدني مستويات المشاركة في الانتخابات، وتدني معدل ثقة المواطنين الجديديين في الساسة والعملية السياسية.
إن غالبية الأحزاب السياسية بالجديدة أغرقت المواطن في “سوق الأحلام الانتخابي”، غير أن المواطن لم يجن من تلك الوعود سوى نقيضها. فالبرامج الانتخابية السابقة، كم منها تحقق على أرض الواقع؟، وما هي الأسباب التي أدت إلى عدم الوفاء بها؟. الإجابة عن هاته الأسئلة تسهم في جعل عملية الإدلاء بالأصوات وإعطاء الثقة للأحزاب السياسية التي ستتولى استلام السلطة بعد الانتخابات عملية ناضجة وواعية.
وإذا أردت أن تقيس مدى جدية المسؤولين في تنفيذ وعودهم بالجديدة، فاقسم عدد وعودهم المُنَفّذة على تلك التي لم تنفذ، لتظهر لك نسبة جدية الوفاء بالوعود. وتبعا لذلك، فإن ما تعهدت به الأحزاب بالأمس واليوم، على سبيل المثال لا الحصر، كإشكالية النظافة و احتلال الملك العمومي والفضاءات الخضراء وتأهيل الأحياء الشعبية وغلاء فواتير الماء والكهراء، لم تكن سوى وعود زائفة، جرى اختبارها أمام بالوعات الأحياء وانتشار الأزبال في كل مكان و انتشار ظاهرة التسيب والفوضى وإضفاء الصبغة القروية على كل أرجاء المدينة خصوصا وسط المدينة والأسواق .
إن هذه المظاهر المشينة ليست قوة قاهرة أو سببا أجنبيا للإعفاء من المسؤولية، لأنها وإن كانت تحدث تحت أنظار السلطات الإقليمية والمحلية ، فإنها تحولت بالجديدة، بمثابة المراقب الفعال للوعود الانتخابية ولأعمال طالما امتدحها البعض، وجعلها ضمن إنجازاته الخالدة. وإن زوار الجديدة خلال الموسم الصيفي كانواأفضل بكثير من كل لجان التفتيش التي زارت مدينتنا، لأنهم من خلال ملاحظاتهم وانتقاداتهم كشفوا زيف الوعود، وعَرّت عن واقع البنية التحتية الهشة. يحدث كل ذلك، لأن القانون لا يحاسب المرشحين على وعودهم الانتخابية الكاذبة، ولا يستطيع محامي من جمعيات حقوق الإنسان أن يرفع دعوى قضائية ضد مترشح لم يوف بوعوده للناخبين، لأن الدعوى خاسرة، فالقانون لم يجرم الوعود الانتخابية.
ورغم أن المغاربة يرددون مقولة ” وعد الحر دين عليه”، فإنه لا يبدو أننا اعتدنا سماع مستشار أو رئيس جماعة قادر على الوفاء بوعوده. وهذا ما يذكرنا بقول الفرنسيين ” عطاء من دون وعد خير من وعد من دون وفاء”.
ويتناسى كل هؤلاء وصية الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقول ” خير الناس من نفع الناس”، فالذي يبذل جهده لخدمة الوطن هو من يستحق أن يدلي الناخبون بأصواتهم له، وعليهم الحكم على من أخلف وعوده الانتخابية بالفساد وعدم المصداقية، وعدم التصويت لصالحه، فالمستقبل يجب أن يكون للنزيه ذي الخبرة والمهنية العالية الذي يستطيع الوفاء بوعوده، وخدمة الشعب بهمة عالية وإخلاص، دون الرضوخ لنزوات بعض المسؤولين. لذلك إن مراجعة الأداء ومحاسبة المقصرين والعزم على تنفيذ الوعود الانتخابية التي لم يفلحوا في الإيفاء بها للمواطن في الحملات الانتخابية السابقة٬ بغض النظر عن الأسباب، يجب أن تأخذ مكانها من مساحة تفكير الناخبين.
نداؤنا للجديديين و الجديديات، هو دعوتهم للتصويت بكثافة و اختيار أشخاص نزهاء٬ و حين يكون المواطن في معزل التصويت يجب ان يراعي ضميره حتى لا نرهن مدينتنا لأي أحد يريد استغلالها لمصالحه و لمصالح لوبيات الفساد. لقد قال صاحب الجلالة الملك محمد السادس بأن” التصويت حق وواجب وطني، وأمانة ثقيلة عليكم أداؤها فهو وسيلة بين أيديكم لتغيير طريقة التسيير اليومي لأموركم، أو لتكريس الوضع القائم، جيدا كان أو سيئا “. كما شدد جلالته على أن ” التصويت لا ينبغي أن يكون لفائدة المرشح الذي يكثر من الكلام، ويرفع صوته أكثر من الآخرين، بشعارات فارغة أو لمن يقدم بعض الدراهم، خلال الفترات الانتخابية، ويبيع الوعود الكاذبة للمواطنين”. لذلك أكد جلالته على أن ” التصويت يجب أن يكون لصالح المرشح الذي تتوفر فيه شروط الكفاءة والمصداقية والحرص على خدمة الصالح العام”. ولن يتأتى ” تڭرديع ” المفسدين الا إذا قام الجديديون و الجديديات بتحكيم ضميرهم وصوتوا بكل أمانة ونزاهة٬لأن هذا الموعد الانتخابي يعطيهم حسب جلالة الملك “سلطة القرار في اختيار من يمثلونهم، وأنه عليهم إحسان الاختيار”.