تلامذة المعهد الموسيقي المستقبل يبدعون في أغنية كورالية تراثية

في ظل زمن السرعة والتطور، يمكن أن ينسى البعض تاريخه أو غنى تراثه وتميزه. ولكن هذا بات ضرباً من المحال ربما، في إقليم الجديدة، مع مشروع ثقافي ومجتمعي فريد من نوعه، جديد في الساحة،  يتمثل في إحياء الموروث الشعبي القاسمي الأصيل المتمثل في الصيد بالصقور وكذا التمسك بجدور التراث الشعبي الشفوي عن طريق الأغنية الكورالية المعاصرة.

وهكذا، وبمناسبة الدورة الثالثة لمهرجان الصيد بالصقور بالقواسم، الذي  نظمته جمعية القواسم أولاد فرج للصيد بالصقور والجمعية الاقليمية للشؤون الثقافية بالجديدة،تحت اشراف عمالة اقليم الجديدة،بتعاون مع المديرية الجهوية لوزارة الثقافة وجماعة لقواسم ما بين 29 و 31مايو 2015،بدوار أولاد حمدان بالقواسم بأولاد فرج، وبإيعازمن الأستاذ الباحث في التراث الدكالي إدريس لمرابط، أنتج المعهد الموسيقي المستقبل بالجديدة بقيادة الأستاذ المتميز عبد المومن المصباحي رائعة «طالب طالب يايو».

 «طالب طالب يايو» هي  من الأغاني التراثية،أداها بامتياز تلامذة المعهد الموسيقي المستقبل بالجديدة، وقد أعاد تلحينها وتوزيعها الموسيقي المايسترو المتألق عبد المومن المصباحي وأداها تلامذته الصغار تحت قيادته لكي يعلموا حقيقة القيمة الكبيرة لتراث بلادهم الثقافي.

ويمكن أن نجزم بأن هذه المبادرة تعتبر كجسر للتاريخ والتراث للشباب والأجيال المقبلة، لينقلوا ويحفظوا أغاني وأهازيج أجدادهم، بحيث لا يندثر ماض جميل يعبق بحكايات الأجداد، لكونها تتناول التراث بحُلة جديدة تواكب العصر وتتمسك بالجذور.

وفي هذا الصدد، يقول الأستاذ الباحث في التراث الدكالي إدريس لمرابط: « في ظل السرعة والتطور الذي نشهده، يصعب التمسك بالتراث ، ولكن أرى أنه من أهم أولوياتنا نقل التراث الدكالي على الخصوص و المغربي على العموم ، بجماليته وفنه وشعره ومعلوماته للأجيال المقبلة مع الحرص، وانطلاقا من رسالتنا، على المزج بين العصرنة والتراث، وذلك عن طريق إنتاج وتسجيل الموسيقى والأغاني القديمة لتناسب الصغار والشباب. و هذا ما سعينا إليه من خلال أغنية “طالب طالب يايو”.».

ويضيف الأستاذ عبد المومن المصباحي قائلا: « أغنية “طالب طالب يايو” هي شبه ابتهال من التراث الشفوي المغربي قمنا بتجديدها بأصوات شبابية حتى لا تندثر، ولتكون امتدادا بأصوات الشباب ليستوعبها الجيل الحالي أكثر، وحتى نوصل هذه الأغنية على جسر الشباب ولتكون منهم و إليهم وفيهم. وقد ترافق هذا الإنتاج مع حرصنا على تحفيز هؤلاء الشباب، وتعزيز التراث في نفوسهم ».

نتمنى أن تتبع هذه المبادرة القيمة مبادرات أخرى في مجال الأغنية وحتى في المجال المسرحي قصد الاحتفاظ برونق التراث الشعبي والثقافي الدكالي وضمان استمرارية الموروث الشفوي والثقافي ونقله إلى الأجيال الجديدة بشكل عصري يواكب خطى المغرب في التطور.

” طالب طالب يايو”:تخريجة “المحضار” الدكالية

تختزل الذاكرة الجماعية لدكالة عادات وتقاليد ظلّت راسخة حتى وقتنا الحالي، بينما كان مآل الكثير منها هو النسيان والاندثار بسبب الإهمال وغياب الاهتمام بها من طرف الجهات والجمعيات المهتمة بالمحافظة على التراث، وصيانة الموروث الشعبي والثقافي لمنطقة ضاربة جذورها في عمق التاريخ هوفي الحقيقة صون للهوية الوطنية.

ومن بين تلك العادات والمناسبات الدينية المتوارثة التي تشكّل رافدا من روافد الهوية الوطنية الغنيّة بقيَمها الحضارية والتراثية، هناك طقسٌ احتفالي ذو صِبغة دينية واجتماعية يقام من طرف مرتادي الكتاتيب القرآنية المنتشرة بربوع دكالة. إنها أغنية ” طالب طالب يايو”، التي أعاد لها الاعتبار المغفور له الحسن الثاني في سنة 1994 ، حين قررالاحتفال بعيد الشباب رسميا بمدينة الجديدة ، وبالضبط بحديقة محمد الخامس،حيث قدمت أمام المرحوم الحسن الثاني عدة لوحات وضمنها تخريجة “المحضار” التي نالت إعجاب جلالته يومذاك.

” طالب طالب يايو” مطلع ابتهال محلّي لطالما صدحت به حناجر رُواد المساجد والكتاتيب القرآنية، التي يسهر أئمتها وشيوخها على تحفيظ ما تيسّرَ من سُور القرآن الكريم لأبناء دكالة، خصوصا في العالم القروي، وهو بالمناسبة فُرصة سانحة لجمْع الهبات والتبرعات العينية والنقدية من طرف الساكنة التي تعتز أيَّمَا اعتزاز بالتعليم العتيق، والسهر على تعظيم الفقهاء ومشايخ العلم.

تبدأ طقوس “طالب طالب يايو” بتجمع وجولة لصفوة من تلاميذ المَسِيد ، يتقدمهم «المحضار» الطالب النجيب الذي يحمل معه لوحاً كبيرا مزخرفاً بآيات قرآنية كريمة، قصد جمع التبرعات للفقيه، غالبا ما يتم زمانيا كلما تخرّج على يديه طالب جديد.

لا أحد يستطيع أن يتحدّثَ عن البدايات الأولى لتلك العادة، كما لا نعرف مُنشدَ تلك الأشعار التي تُوظَّف لاستمالة قلوب السكان، ودعوتهم لإكرام طلبة العلم ورموزه. بيد أننا نستطيع أن نضع رهن إشارة القارئ الكريم النص الكامل “لمقامات توسلية” حفظها الأهالي عن ظهر قلب لكثرة ترديدها بصوت مسموع ونغمة خاصة، بين أحياء مدن وقرى ودواوير ومداشر دكالة. تقول الكلمات:« طالب طالب يايو،أسعدات مّو وبّاه،أمولات الخيمة،أعطيني بيضة،باش نزوق لوحتي،لوحتي عند الطالب،والطالب في الجنة،والجنة محلولة،مولانا مولانا، يا سميع دعانا، لا تقطع رجانا، من حرمة نبينا،  محمد وأصحابه، في الجنة يتصابو، صلوا يا روجالا، على محمد نبينا، لا إله إلا الله، محمد رسول الله…».

التبرعات والهبات التي تُجمع، من خلال هذا الطقس، تُسَلَّم للفقيه مباشرة، مكافأة له على المجهود الجبّار الذي يبذله في سبيل تلقين القرآن الكريم والتربية الدينية الصالحة للناشئة.

 وبقدر ما تعكس تلك العادة بشكل تدريجي الطابع التضامني بين أفراد المجتمع المتضامن، بقدر ما يحق أن نتساءل اليوم عن سبل إحيائها والمحافظة عليها من الزوال، وعن مدى تشبتنا بموروثنا الثقافي و هويتنا الوطنية. ذلك لأنه لا وطنية حقة دون ثقافة وطنية صرفة.