مدينة المجاهدين أو فحص المجاهدين أو فحص آزمور كانت مركز قيادة ومنطقة لتجميع المجاهدين من أجل تحرير البريجة المحتلة من قبل البرتغاليين. وقد كان الهدف من بنائها بهذا الموقع الاستراتيجي الموجود قرب منار سيدي مصباح حماية الموقع وجعلها حصنا حصينا من هجمات البرتغال. وقلعة الجهاد ضد البرتغال اليوم ليست هي مدينة المجاهدين بالأمس، لقد تغيرت كثيرا عما كانت عليه، إذ طالها التهميش.
ورغم النداءات المتكررة الداعية إلى إنقادها من الاندثار، لم يحرك المسؤولون ساكنا من أجل ترميمها و تخليصها من مخالب الضياع الذي يهدد ما تبقى من ذاكرتها، خصوصا أن موقع قلعة المجاهدين تعتبر من آخر المعاقل الأثرية للسلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الله بدكالة.
وحسب ما يلاحظ فإن هناك مخططا للإجهاز على هذا الموقع دون مراعاة خصوصياته ولا المقتضيات القانونية التي تجرم الاعتداء على المواقع التراثية، مما يهدد بإعدام واندثار آثار الموقع البارزة للعيان.
فحص المجاهدين أو مدينة المجاهدين ليس مجرد بناية عادية، بل إنّ لهذه البناية عمقاً تاريخياً وثقافياً يخّص كل المغاربة. ونعتقد أن عدم تحرك الدوائر الرسمية لإنقاذ هذه القلعة هو اختيار استراتيجي لمحو كل ما يتعلق بالذاكرة التاريخية بالجديدة خاصة وبدكالة بشكل عام، وبداية تعويضها بذاكرة ممسوخة تختصر مدينة الجديدة على الخصوص في الإسمنت والخرسانة فقط وتحويلها إلى مدينة أصابها زهايمر ثقافي.
وهذا يجعل أهل دكالة يعتقدون أن إعدام وتشويه معالم دكالة ومآثرها، قد بدأ منذ مدة طويلة. وهذا الفعل الشنيع، حسب رأيهم، يتوخى اغتيال الذات الدكالية وتهجينا وبَتْر جذورها، وطمس العلامات المضيئة في تاريخها
هي بناية غير عادية ولا يمكن أن نطبق عليها القرارات المتعلقة بالبناء الهش أوالعشوائي، وما أكثره. إنها بناية تاريخية وثقافية لها خصوصية ينبغي مراعاتها. هي معلمة لها مكانة خاصة في نفوس و ذاكرة سكان دكالة، وتحمل دلالات رمزية ونفسية وتاريخية مرتبطة بالذاكرة الجماعية والفردية ..فضلا عن كونها تحفة فنية معمارية نادرة.
إن محو وطمس الأماكن التاريخية و الأثرية عمل غير حضاري ولا إنساني . هو محو وطمس لكينونة الإنسان وللذاكرة الجماعية المشتركة، واستخفاف بالتاريخ والفن والتراث. إن الأماكن لها ذاكرة رمزية مثل الإنسان. وهدم وإهمال هذه المعلمة فيه مس بكرامة الدكاليين وذكرياتهم وسعي إلى محو جزء هام من ذاكرتهم التاريخية والثقافية.
ففي الدول التي تحترم تاريخها ترصد ميزانيات ضخمة للحفاظ على تراثها المادي واللامادي، فيما نحن أيضا نرصد ميزانيات ضخمة ولكن لطمسها.. نعم للترميم و لا للهدم، يجب أن ينطق بها كل فرد منا.
ونعتقد أن الدولة تملك من الإمكانيات التقنية والمالية للإفصاح عن حسن نيتها للحفاظ على هذه البناية التي تشكل جزءً من ذاكرتنا الجماعية المغربية.
وعلى المجتمع المدني أن يقوم بدوره في الدفاع عن الهوية العمرانية بدكالة على العموم و مدينة الجديدة على الخصوص، والوقوف في وجه كل محاولات المسح والمسخ الذي تتعرضان له، لكن ما نستغرب له سكوت مجموعة من الهيئات و الجمعيات التي تتبجح بالدفاع عن مصلحة المنطقة، وكذا مجموعة من ممثلي المدينة في مختلف المؤسسات، وكأن الأمر لا يعنيهم.
وعليه، ندعو الرأي العام الوطني والجهوي والمحلي منه إلى الوقوف صفا واحدا لردع المعتدين على المعالم التاريخية بدكالة.
ومن جهة أخرى، و غير بعيد عن فحص المجاهدين، إن التخريب المنهجي للغابة يضاف إلى مسلسل الاعتداء الذي تتعرض له الذاكرة الدكالية، ومنها غابة آزمور التي عرفت هجوما إسمنتيا خطيرا في السنوات الأخيرة.
و هكذا، تتعرض غابة آزمور أو العدير بتراب جماعة الحوزية للتدمير، ذلك أن عملية قطع الأشجار قد أتت على آلاف الهكتارات وأصبحت في خبر كان. فمسلسل تدمير ما تبقى من غابة آزمور لازال مستمرا على قدم وساق للإتيان على ما تبقى من المساحات التي غرسها الاستعمار لحماية الأراضي الفلاحية أمام صمت الجميع.
إن تدمير الغابة تدمير لجميع الأنظمة البيئية والتي تضم كائنات حية ( وحيش ونباتات) وأخرى غير حية تتفاعل فيما بينها في المجال، وما انقراض الوحيش إلا نتاج لتدمير المجال الغابوي الطبيعي.
إن مستقبل هذه الغابة ومصيرها يهم الجميع، وحمايتها مسؤولية كافة المتدخلين ، فالجميع مطالب باعتماد استراتيجية جماعية متكاملة قائمة على شراكة حقيقية وتضامن فعلي، ووضع ضوابط لتطويق هذه الأخطار الناجمة عن الاستغلال المفرط للثروات الغابوية والضغوط الممارسة على الأنظمة البيئية والتنوع البيولوجي.
وما يحدث الآن في دكالة من تدمير منهجي لمجالها الغابوي ليس وليد اليوم بل بدأ منذ سنوات عديدة. فالأمر لم يبدأ اليوم مع غابة آزمور.فمن يتذكر المجال الغابوي الذي كان موجودا قرب تجزئة القدس و “اجنين” و “لعبابدة” و غيرها؟ لقد أصبحت اليوم جزءا من التاريخ الأسود للمدينة. أما غابة بلعبادية التي تقع على الطريق الوطنية المؤدية إلى سيدي اسماعيل والطريق الثانوية المؤدية إلى جماعة مغرس فستختفي تماما في السنوات القليلة المقبلة.
وعلى الواجهة الأطلسية، فإن التوقعات متشائمة أيضا. لقد تم تدمير مساحات كبيرة من غابة آزمور آخر متنفس كبير لمدينتي الجديدة و آزمور ، والباقي مازال يقاوم بصعوبة خطر الانقراض. فمن المقرر أن تحتضن هذه الغابة عدة مشاريع عمرانية. لكن آثار هذه المشاريع وخيمة على التوازن البيئي. في المقابل، نتائجها الإيجابية على اقتصاد المدينتين تبقى غير مؤكدة.
و لا يمكن لأي مشروع سياحي أو عمراني كيفما كان حجمه ونوعه وآثاره الاقتصادية أن يبرر تدمير الغابات. إن القطاع البيئي يتطلب احتراما دقيقا لمجموعة من مبادئ القانون الدولي للبيئة, كمبدأ الوقاية الذي يقتضي دراسة الآثار السلبية للمشروع السياحي أو العمراني على البيئة والصحة العامة قبل البدء في تنفيذ المشروع, أو مبدأ التعويض الذي من تجلياته مثلا إلزام صاحب المشروع بإحداث غابة أخرى في منطقة قريبة ومشابهة من الناحية البيئية ومحترما أيضا نفس المساحة. فعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” مَا مِن مُسلم يَغرِسُ غَرْسًا أو يَزرَعُ زَرْعًا فيأكُلُ مِنه طَيرٌ أو إنسَانٌ أو بهيْمَةٌ إلا كان لهُ بهِ صَدقَةٌٌ “. وهنا نتسائل :ماذا سيكون حال من يقتلع شجرة واحدة؟
إن للغابات دور حيوي في حماية البيئة، وفي الحفاظ على التوازن الإيكولوجي العام. فهي وبامتياز المستودع الرئيسي للتنوع البيولوجي. و لها أيضا دور أساسي في الحماية من التصحر وفي تحسين نوعية المياه الجوفية.وهي أيضا واحدة من أفضل أشكال الحماية ضد ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ، لأنها تمتص الغازات المسببة لهذه الظاهرة.
إن الغابات كما سبق ذكره تساهم في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، وقطعها يؤدي الي تفاقم المشكلة، وفي بيان صدرعن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو” أفاد أن 25 في المائة من غاز ثاني أكسيد الكربون المنبعث في الجو من صنع الإنسان يعود إلى ظاهرة ازالة الغابات التي تختزن 283 مليار طن من الكربون. كما أكد البيان كذلك على أن تدمير الغابات يضيف نحو ملياري طن أخرى من الكربون إلى الغلاف الجوي سنويا.
لسنا ضد إقامة أي مشروع يساهم في تنمية المنطقة على الخصوص شريطة عدم الإجهاز على البيئة، و لكن نحذر من تبعات ما سيرافق ذلك من تدمير للغابة وإلحاق الضرر بالتوازن الايكولوجى وتلويث البحر وتهديد الشاطئ والفرشة المائية والإجهاز على ما تبقى من الأراضي الفلاحية المجاورة للغابة.