إحياء ليلة القدر بالجديدة في جو من السكينة والخشوع
يقول المولى عز وجل عن ليلة القدر بأنها ليلة «خير من ألف شهر»؛ لما فيها من بركات وخيرات. لذا يحتفل أهل دكالة خلال شهر رمضان الكريم بهذه الليلة المباركة في أجواء أكثر ما يميزها هو ذلك المناخ الروحاني الذي تعطره التلاوات العطرة من بيوت الرحمان٬ وكذلك ممارستهم دون استثناء لعادات وتقاليد تعود في الأصل إلى ما خلفه آباؤهم وأجدادهم.
وهكذا٬تتميز ليلة القدر أو ليلة السابع والعشرين(السادس و العشرين ليلا)من رمضان في الجديدة على غرار باقي ليالي الشهر الكريم، بنكهة ورائحة خاصتين؛ لما تحتله من مكانة وأهمية بالغة في قلوب الجديديين، فهي ليلة بالدرجة الأولى للتسابق إلى المساجد من أجل العبادة والاستغفار٬وكذلك موعد للإكثار من الدعاء. وإلى جانب هذا، فهي موعد لتواصل الأرحام وتلاقي الأسر في مناسبات قلما تتكرر على مائدة الشاي والحلويات والسمر والحديث الحلو. فلا يكاد يخلو بيت جديدي من مظاهر الاحتفال بالليلة المباركة من خلال صنع أجواء احتفالية كلٌّ حسب إمكاناته، غير أنها تشترك في أنها أجواء مغمورة بالفرحة والبهجة بالليلة التي تهبط فيها الملائكة بإذن ربها عز وجل.
وما يُعرف أيضا عن أهل دكالة قوة إيمانهم وحبهم الجم لبيوت الرحمان، فلطالما كانت المساجد وطيلة شهور السنة ممتلئة تقريبا عن آخرها بجموع المصلين، ولكن ليلة القدر تصنع لنفسها الاستثناء، حيث يهرع المصلون جماعات جماعات لتأدية صلاة التراويح، التي تكون في أيامها الأواخر من أجل ختم كتاب الله مع الإمام٬وكذلك للتذرع إلى الله بخالص الدعاء. وهكذا تتميز هذه الليلة بأجواء ذات طابع روحي، حيث تمتلئ المساجد بالمصلين وترتفع أصوات الذاكرين تهليلا، وتسبيحا وتكبيرا، إحياء لهذه الليلة المباركة في روحانية وسلام حتى مطلع الفجر. كما تشهد مساجد المدينة حضورا كبيرا للنساء اللائي يجتهدن في إحياء ليلة القدر.كما يحافظ الجديديين على مرافقة أبنائهم لهم للمساجد و هم مرتدين للزي التقليدي ٬كما هو الحال بالنسبة لبعض الفتيات رفقة أمهاتهن بهدف تشجيعهم على الصلاة والعبادة.
وعادة ما تقام في بعض المساجد بعد الفراغ من صلاة التراويح في الليلة المباركة؛ احتفالات دينية توزَّع خلالها الجوائز على المشاركين في مسابقات حفظ وترتيل القرآن الكريم التي أقيمت في شهر الصيام، والتي غالبا ما تمتد إلى ساعات متقدمة من اليوم الموالي، يصدح الرجال فيها بين الفينة والأخرى بأروع الأناشيد التي تتغنى بفضائل ليلة القدر وخير الأنام محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم.
ونظرا لقدسية هذه الليلة، فقد خصها الدكاليون بطقوس وعادات ومظاهر احتفالية مميزة، فهي تعد آخر احتفال روحي متميز قبل عيد الفطر، فتقبل الأسر المغربية على شراء أنواع جيدة من البخور تليق بهذه الليلة المقدسة، حيث يصر الدكاليون في هذا اليوم على تطييب بيوتهم ومساجدهم، وذلك استعدادا وترحيبا باستقبال الملائكة، لقول الله تعالى: «تتنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم».
ومن جهة أخرى٬لا تخلو موائد الإفطار الرمضانية من «شهيوات»، وهي ما لذ وطاب من الأكلات والحلويات، لكن ليلة السابع والعشرين تحرص السيدات في هذه المناسبة الكريمة على تحضير «الكسكس» وتوزيعه على المساجد.
وتُعتبر ليلة القدر بالنسبة للعائلات الجديدية فرصة لا تعوَّض لتعويد أطفالهم على الصيام لأول مرة٬و ذلك يوم السادس والعشرين، وهكذا٬ تقام للصغار احتفالات خاصة بهدف تشجيعهم على أداء شعائر الصيام وتحبيبا لهم في الشهر الكريم؛ إذ يحظون بالتمييز من أجل دفعهم أكثر للمواظبة على أداء ثالث أركان الإسلام٬ فتقوم الأمهات بإلباس بناتهن أفضل ما يملكن من ألبسة، ليجلسن كملكات على طاولة الكبار، وهو الأمر ذاته بالنسبة للذكور. كل هذا يقام وسط احتفال بهيج بصيامهم ووسط جو أسري يغلب عليه مناخ من الفرحة والبهجة؛ افتخارا بأول صيام لوليدها، فالتتويج بالإفطار مع الأسرة وعلى مائدة الكبار بمثابة مكافأة للصغار على صبرهم طيلة يوم شاق. فتبقى هذه الاحتفالية ذات نكهة خاصة وذاكرة تظل موشومة في أذهان الأطفال، كما تعد من مظاهر العادات التقليدية الدكالية التي تتجسد فيها معالم الحضارة المغربية، حيث تشكل محطة أساسية للأسر الدكالية داخل هذا الشهر الفضيل، وتعمل من خلال هذا التقليد على تكريس الانتماء الديني للطفل الدكالي المسلم. كما تقام أعراس رمزية ترتدي خلالها الفتيات الأزياء التقليدية ، حيث تدخل الفرحة إلى قلوب الفتيات الصغار من خلال تزيينهن على الطريقة التقليدية فيبدون كعرائس في عمر الزهور.
ومن أهم عادات ليلة القدركذلك لدى الدكاليين، زيارة المقابروالترحم على الأموات يوم السابع والعشرين ٬حيث يتجه أفراد الأسرة إلى المقابر لزيارة أهلهم وذويهم للترحم عليهم محملين بالتمر والتين الجاف والخبز للتصدق وقراءة القرآن.وهكذا أصبحت زيارة الموتى من أهم عادات وتقاليد أهل دكالة خلال هذا الشهر الفضيل.
ختاما٬ تبقى ليلة القدر متميزة تغتنمها بعض الأسر كذلك في زيارة الأهل والأحباب و صلة الرحم و السعي للصلح بين المتخاصمين والتواصل مع الجيران والأحباب بصفة عامة.