وهكذا وجه العاهل المغربي محمد السادس صباح اليوم السبت 30 يوليوز 2016 خطاب العرش السنوي الذي يصادف هذه السنة الذكرى 17 لجلوسه على عرش أسلافه الميامين، فتطرق في خطابه إلى العديد من القضايا التي تهم الشعب المغربي، أهمها: القضية الأولى للمغاربة ملف الصحراء المغربية، والانتخابات المقبلة، وتوجيه عدة رسائل للفاعلين السياسيين والأحزاب المعارضة والأغلبية على السواء…
وفيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، تناول الخطاب الملكي صراع المغرب مع الأمم المتحدة التي سبق أن جعلت من سنة 2016 سنة حسم هذا الملف، وقال الملك «إذا كان البعض قد حاول أن يجعل من 2016 سنة الحسم فإن المغرب قد نجح في جعلها سنة الحزم» حيث تصدى المغرب لما اعتبره الملك «تصريحات مغلوطة» في هذا الملف غير قابل للمساومة، متوعدا بالتصدي لمثل هذه المنزلقات الخطيرة التي شابت ملف الصحراء مؤخرا. وأشار الملك في هذا الصدد إلى أن المغرب سيبقى منفتحا وعلى أتم الاستعداد للتعاون وإيجاد حل سياسي لهذا النزاع المستمر منذ أكثر من 40 سنة، مجددا الدعوة للشعب المغربي لليقظة والتصدي لخصوم المغرب الذين أصيبوا بالذعر من التأهيل الاقتصادي والتنموي للمنطقة الجنوبية التي ستجعل منها قطبا اقتصاديا مندمجا في الوطن.
وجدد الملك محمد السادس في خطابه تأكيده على المفهوم الجديد للسلطة بما مفاده المساءلة والمحاسبة، التي تتم عبر آليات الضبط والمراقبة وتطبيق القا نون.
وقد قال جلالة الملك في هذا الصدد إن «مفهومنا للسلطة يقوم على محاربة الفساد بكل أشكاله: في الانتخابات والإدارة والقضاء، وغيرها. وعدم القيام بالواجب، هو نوع من أنواع الفساد.» .وجدد جلالته اقتناعه أن «الفساد ليس قدرا محتوما. ولم يكن يوما من طبع المغاربة. غير أنه تم تمييع استعمال مفهوم الفساد، حتى أصبح وكأنه شيء عادي في المجتمع». وفي رسالة إلى من يزايدون في عز الانتخابات والتحضير لها ببعض المقالات قال جلالة الملك :«الواقع أنه لا يوجد أي أحد معصو م من الفساد، سوى الأنبياء والرسل والملائكة. وهنا يجب التأكيد أن محاربة الفساد لا ينبغي أن تكون موضوع مزايدات. ولا أحد يستطيع ذلك بمفرده، سواء كان شخصا، أو حزبا، أو منظمة جمعوية. بل أكثر من ذلك، ليس من حق أي أحد تغيير الفساد أو المنكر بيده، خارج إطار القانون».
وشدد جلالة الملك على أن محاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع : الدولة بمؤسساتها، من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة، وتجريم كل مظاهرها، والضرب بقوة على أيدي المفسدين. والمجتمع بكل مكوناته، من خلال رفضها، وفضح ممارسيها، والتربية على الابتعاد عنها، مع استحضار مبادئ ديننا الحنيف، والقيم المغربية الأصيلة، القائمة على العفة والنزاهة والكرامة.
وعبر الملك لمختلف المصالح الأمنية عن تقديره للجهو د الدؤوبة والتضحيات الجسيمة التي يقدمونها في القيا م بواجبهم ا لوطني، مشيدا «بالفعا لية، التي تميز عملها، في استباق وإ فشال المحاولات الإرهابية، التي تحاول يائسة ترويع المواطنين، والمس بالأمن والنظا م العام».
و زاد قائلا: «إننا نقدر الظروف الصعبة، التي يعمل فيها نساء ورجا ل الأمن، بسبب قلة الإمكانات، فهم يعملون ليلا ونهارا، ويعيشون ضغوطا كبيرة، ويعرضو ن أنفسهم للخطر أثناء القيام بمهامهم. وندعو الحكومة لتمكين الإدارة الأمنية، من الموارد البشرية والمادية اللازمة لأداء مهامها على الو جه المطلوب».
وعن مصداقية العمليات الأمنية، أكد بأنها «تقتضي الحزم والصرامة في التعا مل مع المجرمين، ومع دعاة التطرف والإرهاب، وذلك في إطار الالتزام بالقانون وا حترام الحقوق والحريا ت، تحت مراقبة القضاء».
وبعدما ذكر جلالة الملك حفظه الله أن الحزب الذي ينتمي إليه هو حزب المغرب، وبعدما أكد على تجرده من الانتماء لأي حزب وعدم مشاركته في الانتخابات باعتباره «ملك لكل الهيئات السياسية ولكل المغاربة الذين يصوتون والذين لا يصوتون.. وعلى جميع الفاعلين تفادي استخدام الملك في أي صراعات انتخابية أو سياسية»، وجه رسالة قوية للفاعلين السياسيين، سواء كانوا أغلبية أم معارضة ، حيث قال:« عند انطلاق الاستحقاقات الانتخابية تنطلق عند البعض كأنها القيامة، ولا أحد يعرف الآخر والجميع يفقد صوابه، والصراعات وفوضى لا علاقة لها بالانتخابات.. وما يدفع للاستغراب أن البعض يقوم بتصريحات تتضمن مفاهيم تمس بصورة الوطن .. أقول للجميع كفى من الركوب على الوطن لتصفية حسابات شخصية ضيقة ».
ودعا الملك الأحزاب إلى وضع شروط الكفاءة والنزاهة لدى مرشحيهم،مطالبا في خطابه الأحزاب السياسية إلى التعقل وعدم الركوب على الوطن، حيث أن «بعضهم يفقد صوابه ويدخل في صراعات».
وحمل الملك محمد السادس كذلك المسؤولية في الانتخابات للمواطن في اختيار منتخبيهم، مؤكدا أن المواطن هو مصدر السلطة، وله سلطة محاسبة المنتخبين، ووجه الملك نصيحة الى المغاربة مطالبا منهم تحكيم ضمائرهم خلال عملية الانتخاب والتصويت.