لعل أبرز المشاكل التي تعاني منها مدينة الجديدة لكل من حط الرحال بها، هي كثرة الباعة المتجولين المعروفين اختصارا ب”الفراشة” والفوضى التي عشعشت في كل مكان . فحولت المدينة إلى سوق قروي كبير بكل أصناف البضائع والسلع المهربة والملابس والأحذية القديمة والجديدة، وعربات الخضر بكل أشكالها وإلى قرية كل شيء فيها مباح…
وهكذا سيطرت ظاهرة السطو على الملك العام في كل أنحاء المدينة والتي عجزت السلطات المعنية عن اتخاذ الإجراءات القانونية لوضع حد لهذه السيبة، فصارت تمتد وتتسع لتشوه المنظر العام للمدينة، وتضيق الخناق على الراجلين الذين تزدحم بهم الممرات العمومية في أوقات الذروة حيث ترتفع الحركة وتبلغ أوجها، بدءا من السعادة والسلام مرورا بجل أسواق المدينة وانتهاء بساحة الحنصالي و ساحة محمد الخامس و الكورنيش و الشاطئ وغيرهم، والتي صارت قبلة لأنواع مختلفة من السلع والبضائع يعرضها شباب ورجال ونساء وحتى أطفال صغار، بدون أي سند قانوني، أمام صمت رهيب للسطات بل بتواطئ مكشوف معهم، حيث أن أعوان السلطة بالمدينة هم حلقة وصل بين الفراشة و….ليستفيد الكل من الكعكة…
إن ارتباط عيش فئة اجتماعية عريضة بظاهرة البيع بالتجول يعني في جوهره حاجة هذه الفئة إلى العمل وكسب القوت اليومي، إلا أن ذلك لا يجب أن يكون على حساب الملك العمومي وعلى حساب راحة السكان.
وقد عبر العديد من الساكنة وأرباب المحلات التجارية عن استياءهم العميق من تنامي هذه الظاهرة والتي تصاحبها ظواهر أخرى أخطر، تتمثل في وجود لصوص محترفين يتربصون بالمواطنين الذين يقفون عند هؤلاء الباعة، واصطياد الفرص لبيع منتجات مزورة ومهربة بأثمنة مهمة عبر النصب والاحتيال، إضافة إلى التحرش بالنساء بشكل يومي.
كل هذا يقع في ظل تقاعس السلطات الإقليمية والمحلية وتقصير الشرطة الإدارية التابعة لبلدية الجديدة والتي هي مطالبة اليوم ببذل مجهود أكثر من أي وقت مضى للقضاء على هذه الظاهرة التي شوهت رونق المدينة وجعلتها تعيش تحت وطأة قانون الغاب.فإلى متى ستبقى هذه المدينة المغلوبة على أمرها تعيش فريسة في براثن الفساد و التسيب و الفوضى العارمة و قبلة للحماق والمتسكعين وجعل مهنة الفراشة مهنة لمن لا مهنة له؟
ولم ينجو من هذه الظاهرة حتى شاطئ الجديدة الذي غزاه هو كذلك مجموعة من الشواية وبائعي “الهندية” و”الدلاح” و ما غير ذلك… ولم يخف المستجمون تذمرهم الشديد من الارتفاع المهول في أعداد الباعة المتجولين الذين يجوبون شاطئ البحر شمالاً وجنوباً بشكل مستمر. ويشوش هذا العدد من الباعة على حياة المستجمين الهاربين من جحيم الضوضاء في الحارات والأحياء المكتظة بالسكان.
فيضطر غالبية المصطافين إلى تبكير مغادرتهم للجديدة بسبب تعكّر مزاجهم ومزاج زواجتهم اللائي لامت بشدة وجود هذا العدد الكبير من الباعة على الشاطئ، واللائي جئن من المدن الداخلية إلى شاطئ الجديدة هرباً من الطقس الحار للاستمتاع وليس لحرق أعصابهن.
وقد عاينا مهاجرا مغربيا قادما من مدينة من شمال المغرب يطلب ساخراً بتحويل شاطئ الجديدة إلى سوق بدلاً من مكان للتنزه والاستجمام في إشارة منه إلى الأعداد الكبيرة من البائعين المترجلين والمستخدمين لعربات الكارو أو عربات ذاتية الدفع والشواية.
فبعد أن كانت وجهة سياحية متميزة تنافس أفضل المدن جمالا ونظافة واستقرارا ومتعة، غرقت دوفيل المغرب في الفضلات ودمرتها الفوضى والاختلالات والتجاوزات . و هكذا تغيّر المشهد في ظرف قياسي وتعددت التجاوزات واختلفت الاختلالات إلى حد شاهدنا فيه بعض زوار المدينة يعبرون عن احتجاجهم وتدمرهم على ما آلت إليه الجديدة من أوضاع غير مشرفة أثرت على صورتها كوجهة سياحية. ناهيك عن التجاوزات المتصلة بالمحيط البيئي والروائح الكريهة والتي أصبحت في ازدياد خصوصا بمدخل المدينة الشمالي وبمدخل الحي البرتغالي و ساحة محمد الخامس و شارع محمد السادس .ورغم التنبيه لخطورتها الذي قمنا به مرارا،غير أن دار لقمان بقيت على حالها.
وهكذا، أينما ترمي عيناك في الجديدة 2016 ترى فوضى، مدينة أصابها جنون، النظام والرقابة غائبان بل معدومان.. الأماكن العامة والشوارع و الساحات والميناء والشاطئ مستباحون لمن يدفع بقشيش ليقيم “براكة” أو عربة أو “ڭيطون” أو للسطو على رصيف ليبيع فوقه كل الأشياء وحتى المحرمات.
و هكذا يلاحظ المرء دون عناء بأن هندسة «التنظيم الحضري » الصارمة تختفي تحت غبار تحولات الفوضى والسيبة التي لا تقف عند حدود ما احتلته من مناطق واسعة من الجديدة، ولكنها امتدت لتلتهم الشاطئ و الميناء و الكورنيش.
فضاء المدينة ترك إذن لغرائز العابثين وصناع الفوضى والسيبة بكل تجلياتها. تتوه وتصاب بالحيرة، وأنت تتحرى تلك العربات والحمير والبغال التي تنتشر في كل أرجاء المدينة وحتى الشوارع الرئيسية، من يملكها ويشغلها ويحميها؟ ولماذا تتستر أعين الرقابية عنها ؟
في أعراف المدن، فإن تلك الفوضى تمثل جحيما يحرق كل أشكال وخطط وأفكار التنظيم، ولكن ففي الجديدة 2016 نفهم منها كيف تنصهر وتذوب المدينة بالفوضى ويصبح للأخيرة سلطة تروض كل شيء، نعتاد على رؤيتها وتحسبها السلطات الإقليمية و المحلية و أغلبية المجلس البلدي أمرا عاديا وطبيعيا.
طبعا ستصدمك وحشية الفوضى و السيبة التي تصيب دوفيل المغرب، وتصيبك حسرة على كل ما تسمع من اجتماعات عن تنظيم الجديدة والتقدم بها بمناحي حضارية وعمرانية، وسط ما يتراكم من أمراض مستعصية في بنيتها التنظيمية المركزية، وما يتراكم من علل وتشوهات تسيل من قلب المدينة الى أطرافها التي تغرق في صراع يومي مع الفوضى والتسيب ومظاهرهما.
هل تعرف السلطات الإقليمية و المحلية و رئاسة المجلس البلدي ماذا تعني خطورة مظاهر الفوضى والتسيب في فضاء المدينة العام ؟ هل يدركون جيدا مدى خطورة نهج سياسة “عين ميكة” من جراء تحول الشوارع والأحياء و الساحات إلى غابة يفترس بها النظام العام والقانون والتي تنعكس على المواطنين فتحولهم إلى فرائس تلتهمهم العشوائية وانعدام الرقابة الصحية والبيئية وانعدام الأمن؟
الفوضى ” وكل واحد ايدير الي يعجبو” في مدينة الجديدة 2016 أصبحت هي العنوان البارز أينما وليت وجهك بشوارع المدينة التي أصبحت تعيش حالة التسيب و السيبة أكثر من أي وقت مضى أمام مرآى و مسمع من السلطات الإقليمية والمحلية و المنتخبين و قوى الأمن،وكأن المدينة أصبحت على شكل غابة “كل يلغي بلغاه” غير متواجد بها فعلا سلطات و رجال الأمن و مجلس بلدي عفوا قروي. فعلى ما يبدو السلطات الإقليمية والمحلية والمجلس البلدي/القروي و رئيسه قد قدموا استقالتهم من محاربة هذه الظاهرة التي تسئ إلى رونق و جمال المدينة. وهكذا حطمت الجديدة 2016 كل الأرقام على مستوى الفوضى والعشوائية و التسيب.
فوضى وتسيب لا مثيل لهما في الترامي واحتلال الملك العمومي حتى صار التنافس على من يحتل أو يستولي على أكبر مساحة ممكنة من هذا الملك. فأينما وليت وجهك بالمدينة يقع نظرك على الاستغلال الفاحش و الصارخ للملك العمومي. ظاهرة أصبحت مستفحلة بشكل خطير بهذه المدينة المنكوبة. فالملك العمومي صار محتلا بعموم المدينة، و لم يبق للراجلين سوى المشي جنبا إلى جنب في طريق السيارات و الشاحنات و العربات و الدراجات معرضين بذلك أنفسهم للخطر.
فالأمر لم يعد يتوقف على الاستيلاء و احتلال الأرصفة،فهذا قد تم تجاوزه، و أصبح التنافس على احتلال الشارع العام. ولا يحتاج المحتلون الإذن من أحد.
المقاهي والتجار وأصحاب بيع ” الخردة ” والجزارة ودكاكين بيع الخضر والحرفيين ( كالنجارة وغيرها.. ) يحتلون مساحة عمومية تضاعف المساحة الداخلية للدكان أو المقهى. فاحتلوا الرصيف بشكل كامل وتعداه الأمر إلى طريق سير المركبات دون أن يوقفهم أحد عند حدهم. وهناك من تعدى أمر الترامي والاحتلال المؤقت إلى البناء بشبابيك من الحديد, وهناك من بنى بالأسمنت وأصبح يعتبر ذلك ملكا له رغما على القانون, و هناك من تجرأ على إحداث حدائق عشوائية مسيجة بالحديد و الأسمنت أمام منزله و فوق الملك العمومي و استغلالها لأغراض مختلفة بدعوى منطقة خضراء. دون أن ننسى أصحاب بيع الأواني الذين احتلوا السعادة والسلام و سوق بئر ابراهيم و شارع الزرقطوني و ساحة و سوق علال القاسمي وساحة الحنصالي….
وما يستوجب الوقوف عنده، أن كثيرا من المحلات ليس لها حتى ترخيص محل أصلا ناهيك عن احتلال الملك العمومي. مما أعطى إشارة سلبية للمحتلين والمترامين على الملك العمومي أنهم فوق القانون وأنهم آمنون وكأن لسان حال السلطات و المجلس البلدي معهم يقول “افعلوا ماشئتم فلن تطالكم أيدي القانون”.
فهناك شوارع كاملة تم احتلالها من طرف الباعة المتجولين و الذين عمدوا إلى عرض بضائعهم وسط الطريق، بل هناك دكاكين توسعت و أمام أعين السلطات و المجلس البلدي/القروي على حساب الملك العمومي، و ضمت إليها مساحات إضافية بدون موجب حق كما هو حال ورشات إصلاح السيارات و الدراجات و غيرها بكل الأحياء. إذن هناك فئة منتفعة من ظاهرة الفضاءات العمومية واحتلالها عنوة وضدا على القانون. إنها الفئة المستفيدة من عملية الأتاوات و ” ادهن السير يسير”.
و الأنكى من هذا، استولى البلطجية على غالبية شوارع و أزقة المدينة، فحولوها إلى «مواقف » خاصة بالسيارات يُجبرون أصحابها على دفع مستحقات خدماتهم، التي أخذت مع مرور الوقت «شكلا شرعيا»، رغم أن هؤلاء لا يملكون أية رخصة لاستغلال هذه الأماكن العمومية، وعند رفض الدفع من طرف صاحب السيارة غالبا ما يكون عرضة للسب والشتم أو تخريب السيارة، وأحيانا الاعتداء الجسدي …
ظاهرة اتسعت بشكل كبير بحكم ممارسة غرباء لمهنة حراسة السيارات أينما حلوا وارتحلوا داخل المدينة، والذين يعتبرون الفضاءات الفارغة ملكا لهم.
وغالبية هؤلاء حراس متهورون وأحياناً محكومون قضائياً أو “اشماكرية” يبسطون هيمنتهم بالعنف على هذه المرافق، بفعل ما يصدر عنهم يوميا من حماقات وتصرفات تُجرّدهم من مهنتهم كحراس مفروض أن تتوفر فيهم صفات الأمانة واللباقة، وتضعهم جنبا إلى جنب مع المنحرفين واللصوص و«قطاع الطرق»، وقد احتلوا كل الشوارع والأزقة بقوة «السلاح الأبيض» والهراوة لمن ركن سيارته ولم يدفع مقابلاً مادياً.لذلك بات بعضهم يمثل كابوسا مرعبا في وجه أصحاب العربات، بفعل توالي تجاوزاتهم وتغاضي السلطات الأمنية عن أفعالهم.
وأصبحت شوارع و أزقة مدينة الجديدة كذلك تعج بالعربات الثلاثية العجلات “تريبرتورات” الفائقة السرعة، وضاق المواطنون درعا من تصرفات أصحاب “تريبرتورات” بسبب تجاوزاتهم الخطيرة في السياقة، خصوصا في الأحياء الشعبية ووسط المدينة. ويشتكي المواطنون من هذه الظاهرة التي باتت تشكل خطرا محدقا بالمارة وخصوصا الصغار، خاصة وهي تسير بسرعة جنونية في أهم الشوارع والأزقة وبملتقيات الطرق والمدارات، حتى إن بعض السائقين لا يحترمون مبدأ الأسبقية وتخفيض السرعة عند بعض النقط التي تعرف ازدحاما، مما يتسبب في حوادث سير مختلفة.
إن هذه العربات تشكل خطراً على سلامة راكبيها، وخصوصاً أن مالكيها أغلبهم لا يتوفرون على رخص للسياقة ويقومون بتجاوزات خطيرة تؤدي إلى وقوع حوادث خطيرة لكونهم لا يحترمون قانون السير، مما يجعلهم لا يفكرون إلا في تحقيق ربح سريع دون الاكتراث لسلامة الراكبين. ناهيك عما يقومون به من أفعال مشينة بواسطة عرباتهم لكون غالبيتهم من ذوي السوابق والمدمنين على الخمر والمخدرات.
و من جهة أخرى، بات ساكنة الجديدة يشتكون من استفحال اعتراض الطريق والعربدة الليلية ، ومعاناتهم مع التهديدات التي أضحت موجهة بقصد للنيل من أمانهم الشخصي وفي ذواتهم، خصوصا بالنسبة للأشخاص الذين ينتهون من أعمالهم في المواقيت التي تتجاوز منتصف الليل، ويمرون عبر نقط محددة من المدينة متجهين إلى محلات سكناهم، سواء في الشوارع الفسيحة أو في الدروب الضيقة بالمدينة ، وفي بعض الأحياء النائية عن وسط المدينة، حيث يكثر رواد الليل من السكارى والمجرمين من مختلف الأصناف، يعيثون في الطريق رغدا وزبدا محملين بالسيوف والسكاكين والمديات، متحررين من كل القيود الاجتماعية مطلقين كل عواهن الكلام الذي تتعفف الآذان من سماعه، خصوصا لمن يمرون بهذه الأماكن رفقة عائلاتهم أو زوجاتهم أو بناتهم، والذين يكونون تحت تأثير مخدر قوي يمنعهم من التحكم في تصرفاتهم. والغريب في الأمر، أن هذا التصرف ليس معزولا بعدما أضحى سلوكا مألوفا يتكرر في أكثر من مرة وأكثر من مناسبة، والكثير من هؤلاء الأشخاص يتحلقون في شكل مجموعات صغيرة، في أماكن محددة محملين بقنينيات خمرية، ويعمدون إلى إيقاف كل من يمر بجوارهم، ثم يقومون بابتزازه ولو بسلبه دراهم معدودة باستعمال الأسلحة البيضاء، أو اعتراض سبيل النساء والفتيات ثم التحرش بهن. يحدث كل هذا في غياب أدنى تغطية أمنية جادة، وسط استنكار ساكنة المدينة التي باتت مهددة في أمنها العام، كما لو تعلق الأمر بحظر للتجوال مفروض من المجرمين واللصوص.
كما تفاقمت كذلك بمدينة الجديدة ظاهرة ارتكاب مخالفة قانون المرور من طرف من يعتبرون أنفسهم من أصحاب النفوذ بشكل لافت. فقانون المرور بالجديدة أصبح تحت أقدام النافذين وأبناء من يحسبون أنفسهم من “علية القوم”، و الذين أصبحوا لا يحترمون أبسط قواعد السياقة ولا رجال الأمن في الحواجز الأمنية. وكثير من هؤلاء السائقين مراهقين متهورين لا يحترمون السرعة المحددة داخل المدينة ولا إشارات المرور ولا الراجلين ولا أي شيء ولا حتى شرطة.
أمام هذا الوضع المزري الذي وصلت إليه أهم شوارع المدينة و أحيائها وشاطئها و مينائها ، وفي انتظار إيجاد حل عملي وعاجل من طرف القائمين على شأن المدينة، ما علينا إلا أن ننتظر الذي يأتي ولا يأتي قصد رد الاعتبار لجمالية المدينة. و نتسائل عن أسباب تغاضي السلطات الإقليمية والمحلية و المجلس البلدي عن التدخل لمحاربة الظاهرة والتي تطرح أكثر من علامة استفهام، لتبقى مدينة الجديدة غارقة في الفوضى والعشوائية و التسيب والتشويه الممنهج لرونقها وجمالها الذي كان يشهد به كل الزوار.
وأمام هذا الوضع الكارثي الذي وصلت إليه دوفيل المغرب، يطالب سكان مدينة الجديدة من السلطات المركزية بالرباط بالتدخل العاجل لوضع حد لكل مظاهر السيبة و التسيب و الفوضى التي أرخت بمخالبها على كل أنحاء مدينة مازاغان.