يحتفل المغرب بعيد استقلاله في 18 نونبر من كل عام، تتويجا لكفاح الملك والشعب الذي على إثره حصل فيه على حريته من المستعمرين الفرنسيين و الإسبان لمدة 44 عاماً، وذلك على شرف رجوع جلالة المغفور له محمد الخامس إلى البلاد، بعد أن كان منفياً في مدغشقر خلال فترة الحكم الفرنسي الاستعماري، والذي تم عزله عن الحكم من قبل الفرنسيين و الموالين لهم منذ عام 1953 م. و من الجدير بالذكر، أنه في عيد الاستقلال، يشهد المغرب العديد من الاحتفالات، حيث تكون هذه الاحتفالات على شرف أجداد المغاربة الأشاوس الذين ضحوا بأنفسهم من أجل عزة و كرامة وطنهم.
و عيد الاستقلال المجيد يعد من أهم المحطات الخالدة في تاريخ المغرب الحديث، لأنه أرخ لانتهاء عهد الحجر والحماية الذي فرضه الاستعمار على البلاد بداية من سنة 1912.
دلالات احتفال المغرب بعيد الاستقلال
إن عظمة هذه الذكرى تستوجب وقفة تأمل في تاريخ المغرب الغني بالأمجاد وبالمحطات المشرقة من أجل الذود عن المقدسات، وتشكل من جهة أخرى، برهانا على إجماع كل المغاربة وتعبئتهم للتغلب على الصعاب وتجاوز المحن.
وتبقى الميزة الأساسية لهذا الكفاح البطولي كامنة في ذلك الإجماع الوثيق على التشبث بمقدسات الوطن، الذي أبان عنه المغاربة، سواء منهم من كانوا في المنطقة الخاضعة للاستعمار الفرنسي أو الذين كانوا بالأقاليم الشمالية و الجنوبية الرازحة آنذاك تحت نير الاستعمار الإسباني.
والمتتبع لتاريخ المغرب، يلاحظ انه رغم المخططات والمناورات التي نفذتها القوى الاستعمارية الفرنسية والإسبانية مستعملة قوة الحديد و النار، في محاولة تقطيع وحدة المغرب و تمزيقها، بهدف الهيمنة وطمس الهوية، استطاع المغرب أن يقف وقفة رجل واحد في وجه الاستعمار الأجنبي، معلنا التحدي بقيادة بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس، الذي اعتقدت السلطات الاستعمارية أن نفيه رفقة أسرته إلى كورسيكا ثم إلى مدغشقر، سيوقف الانتفاضة العارمة التي تفجرت في كل المدن والقرى المغربية.
إن جل المخططات التي نفذها الاستعمار بدءا بالظهير البربري، الذي أصدرته الحماية الفرنسية في 16 ماي 1930، بهدف التفريق بين أبناء الشعب، انطلاقا من مبدإ “فرق تسد”، وانتهاء بالإقدام على نفي محمد الخامس وأسرته الشريفة يوم 20 غشت 1953 إلى كورسيكا ثم إلى جزيرة مدغشقر، كان مآلها الفشل الذريع وعجلت برحيل سلطات الحماية.
و كانت عملية النفي هذه بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس، ووحدت الصفوف في انتفاضة شعبية عارمة، شكلت أروع صور التلاحم والالتفاف حول رمز الوحدة. فلم يكن التلاحم بين العرش والشعب وذلك الكفاح المرير والبطولي ليذهب سدى، بحيث رضخت سلطات الاستعمار لمطالبها واستسلمت خانعة لإرادتها، فعاد جلالة المغفور له محمد الخامس وأسرته إلى البلاد عودة مظفرة، ليكون يوم 16 نونبر 1955 مشهودا في تاريخ المغرب وصفحة خالدة في سجل شعبه.
ويعد يوم 18 نونبر 1955 دليلا قاطعا على أن المغرب ، بما امتاز به من تلاحم دائم بين العرش والشعب وبإيمانه الراسخ بعدالة قضيته ، استطاع أن يقهر قوى الاستعمار رغم ضخامة إمكانياتها، ويرغمها على الاعتراف بحقوقه المشروعة، وفي مقدمتها عودة محمد الخامس والأسرة الملكية من المنفى والحصول على الاستقلال.
ويشهد التاريخ أن أبناء الأقاليم الجنوبية، على غرار إخوانهم في شمال المغرب، لم يتوانوا في تلبية نداء الوطن والتشبث برمز الوحدة جلالة المغفور له محمد الخامس، وفاء منهم لروابط البيعة التي جمعت أجدادهم بالعرش العلوي على مر العصور.
وإذا كان المغاربة يستحضرون بإجلال وخشوع الكفاح الوطني لآبائهم، فمن حقهم أيضا بعد 64 سنة من الاستقلال أن يعتزوا بالمفاخر التي حققوها على درب البناء والتشييد و الوحدة، عملا بالمقولة الشهيرة لجلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه “لقد خرجنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر”، حيث تواصلت معركة التحرير واستكمال الوحدة الترابية.
وهكذا، وجه جلالة المغفور له محمد الخامس عناية خاصة لتحرير الصحراء المغربية ووفر الدعم الكامل لتكوين جيش التحرير بالجنوب المغربي، وهو الكفاح الذي توج باسترجاع منطقة طرفاية سنة 1958 .
وسيرا على نهج والده المنعم، واصل جلالة المغفور له الحسن الثاني رحمه الله معركة استكمال الوحدة الترابية، فتم في عهده استرجاع سيدي ايفني سنة 1969، وفي سنة 1975 تم استرجاع الصحراء المغربية بفضل المسيرة الخضراء المظفرة، و في 14 غشت سنة 1979 تعزز استكمال الوحدة الترابية باسترجاع إقليم وادي الذهب.
واستكمالا لمسيرة البناء التي نهجها محمد الخامس ومن بعده الحسن الثاني طيب الله ثراهما، استلم بعدهما صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله المشعل، مؤسسا لمملكة القرن الواحد و العشرين، مملكة عصرية ومتقدمة ومنفتحة وذات مكانة بارزة على المستوى الإقليمي و الدولي، مكرسة لقيم التسامح و التعايش، وفقا لمبادئ ديننا الحنيف. و دشن جلالته عهد الأوراش الكبرى والمشاريع التنموية والإصلاحات السياسية والاقتصادية و الاجتماعية، التي تمكن المغرب من رفع تحديات الألفية الثالثة، وكسب رهانات التنمية الشاملة والمستدامة و المندمجة، لإعلاء مكانة المملكة بين أمم وشعوب المعمور..
إن تخليد ذكرى الاستقلال المجيدة تعد مناسبة وطنية أخرى لاستلهام ما تنطوي عليه من قيم سامية وغايات نبيلة، لإذكاء التعبئة الشاملة وزرع روح المواطنة وربط الماضي التليد بالحاضر المتطلع إلى آفاق أرحب ومستقبل أرغد، خدمة لقضايا الوطن وإعلاء صروحه، وصيانة وحدته والحفاظ على هويته ومقوماته، والدفاع عن مقدساته وتعزيز نهضته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في ظل باعث النهضة المغربية صاحب الجلالة الملك محمد السادس.
ذكرى عيد الاستقلال تجسيد لأسمى معاني التلاحم من أجل
الحرية والكرامة وخوض معارك البناء والتنمية والوحدة
إن الاحتفال بذكرى عيد الاستقلال يمثل لحظة للقيام بوقفة تأملية تستحضر تاريخ المغرب الغني بالأمجاد وبالمحطات المشرقة من أجل الذود عن مقدسات البلاد ، والذي تجسد فيه هذه الذكرى أسمى معاني التلاحم من أجل الحرية والكرامة وخوض معارك البناء والتنمية والوحدة.
وتعتبر ذكرى عيد الاستقلال برهانا على إجماع كل المغاربة وتعبئتهم للتغلب على الصعاب وتجاوز المحن، وهي دليل على التشبث الوثيق بمقدسات الوطن الذي أبان عنه جميع المغاربة من طنجة إلى الكويرة.
و يعد تخليد هذه الذكرى قبل كل شيء مناسبة لاستحضار انتصار إرادة العرش والشعب في نضالهما المتواصل من أجل التحرر من نير الاستعمار، وإرساء الأسس الأولى لمغرب مستقل وحديث وموحد ومتضامن.
وبتخليد هذه الذكرى الحافلة بالرموز و القيم، يجدد الشعب المغربي التأكيد على موقفه الثابت للتعبئة العامة والانخراط الكلي في الملاحم الكبرى للدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب وقيم الانفتاح والوسطية والحوار.
وعلى نهج جلالة المغفور له محمد الخامس، ومن بعده جلالة المغفور له الحسن الثاني، طيب الله ثراهما، يشهد المغرب في الوقت الراهن، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، العديد من الأوراش التنموية والإصلاحات الكبرى التي همت مختلف المجالات.
ويعمل صاحب الجلالة الملك محمد السادس على ترسيخ دعائم دولة المؤسسات وإعلاء مكانة المملكة بين الشعوب و الأمم، في إطار من التلاحم والتمازج بين كافة شرائح الشعب المغربي وقواه الحية، وذلك في أفق كسب رهانات التنمية المندمجة.
وبعد إرساء ورش التنمية الاقتصادية و الاجتماعية، يواصل جلالة الملك محمد السادس اليوم، سيرا على نهج المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني قدس الله روحيهما ، هذه الدينامية المتجددة عبر إرساء أسس اقتصاد عصري وتنافسي وتحديث المملكة وتكريس قيم الديمقراطية والمواطنة.
وتعززت في عهد جلالة الملك محمد السادس روابط التعايش والالتحام بين العرش والشعب من أجل الحفاظ على المكتسبات الوطنية والنهوض بالتنمية السوسيو-اقتصادية، في إطار مغرب المؤسسات والديمقراطية.
إن العبرة من استحضار ذكرى عيد الاستقلال، تتجلى في استلهام المبادئ والقيم النبيلة الوطنية لهذه الذكرى الغالية، وربطها بالإطار العام للتحديات الراهنة لمواصلة نهج مناضلات ومناضلين وطنيين أوفوا بما عاهدوا الله عليه، دفاعا عن الوحدة الترابية والوطنية للأمة المغربية المجيدة.
و إن ذكرى عيد الاستقلال المجيد تجسيد لنضال وطني مستميت، خاضه الشعب والعرش شمالا وجنوبا من أجل التحرير واستكمال الوحدة الترابية.
فاستحضار هذه الملحمة الخالدة ،التي أرخت لفترة الكفاح، يضع على عاتق المغاربة مسؤولية جسيمة لمواصلة ما قدمه شهداء الوطن والتحرير والوحدة الترابية، مضحين بأرواحهم وبالغالي والنفيس فداء للاستقرار والحرية، بقيادة بطل التحرير والاستقلال المغفور له جلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه.
ولعل ما يميز هذه الذكرى أنها ترجع بنا الى الذاكرة الوطنية الحقيقية المتجلية في انتصار إرادة العرش والشعب ضد المستعمرين الفرنسي و الإسباني، التي أدت في نهاية المطاف إلى استقلال المغرب ونهاية مرحلة الجهاد الأصغر وبداية الجهاد الأكبر.
و لاستحضار هذه الذكرى الغالية بفخر و اعتزاز، فلابد من ربطها بسياق الرهانات الداخلية والخارجية، لمواجهة التحديات التي تقتضيها المرحلة، وفي مقدمتها القضية الأولى التي تعتبر أولوية الأولويات، وقضية وجود و ليست قضية حدود. و لذلك يتطلب من كل المغاربة أينما وجدوا، الدفاع عنها بروح وطنية عالية قصد الطي النهائي للنزاع الإقليمي المفتعل في الصحراء المغربية.